الاثنين، 14 يناير 2013

ميترودورا : أول مؤلفة طبية امرأة في التاريخ

ميترودورا : أول مؤلفة طبية امرأة في التاريخ 
د.عبدالرحمن أقرع
محاضر في تاريخ الطب- جامعة النجاح الوطنية
اعتمد الأوروبيون في العصور الوسطى وبداية عصر النهضة على ما توفر بين أيديهم من مراجع طبية اغريقية ورومانية ، ومن أبرز هذه المراجع كان كتاب (حول أمراض النساء وعلاجها ) للطبيبة الاغريقية (ميترودورا) والتي لم يعرف من اسمها غير هذا الاسم الأول (ميترودورا) والتي يعتبرها المؤرخون أول مؤلفة طبية أنثى في العالم.
ورغم وجود بعض النساء اللواتي مارسن الطب في الامبراطوريتين الاغريقية والرومانية ، خاصة بعد ظهور الطبيبة ( إغناديس) التي تعتبر أول طبيبة انتزعت حق النساء في ممارسة الطب في حضارة الاغريق قبل الميلاد، الا أن وجود طبيبة تؤلف كتباً طبية لم يعرف قبل (ميترودورا) .
عاشت الطبيبة الإغريقية (ميترودورا) في الفترة بين 200-400 ميلادية ، ولم يعرف لولادتها أو وفاتها تأريخ دقيق ، وشاع اسمها كثيراً بين الأطباء والعلماء فيما بعد لكثرة اشارتهم الى كتابها الأشهر كمرجعٍ طبي هام ، ألا وهو كتابها المذكور آنفاً ( حول أمراض النساء وعلاجها) والذي تناولت فيه حقولاً طبية عدة أبرزها أمراض النساء رغم أنها لم تتطرق فيه الى طب الحمل والولادة بقدر ما ركزت على الأمراض التي تصيب الجهاز التناسلي الأنثوي.
وقد أشار الأطباء الاغريق والرومان القدامى الى كتابها كمرجعٍ طبيٍ هام في كتاباتهم الطبية ، كما اعتمده أطباء وباحثو العصور الوسطى مرجعاً لدراساتهم الطبي ، وقد ترجم ونشر في عدة لغات ، ويقع الكتاب في 63 جزءاً اعتمدت ميترودورا نظام التصنيف الهجائي للامراض فيه ليسهل استخدامه كمرجع .
ويظهر جلياً في الكتاب تأثرها بأبوقراط ، وتظهر نصوصه الماماً واسعا لمؤلفته في حقل الفسيولوجيا وعلم الأمراض كذلك. وتوجد أقدم مخطوطة من الكتاب المذكور في مدينة فلورنسا في ايطاليا.
ويظهر الكتاب المذكور خبرة سريرية عالية للمؤلفة الطبيبة ، اذ يظهر أنها كانت تمارس الفحص اليدوي والفحص باستخدام الـمنظار الفرجي ، وقامت بتصنيف الأفرازات المهبلية ، ولها نظرية في الربط بين الديدان الشرجية لدى الاناث والتسبب ببعض الافرازات المهبلية الأنثوية ، ويقول بعض المؤرخين الطبيين أن في كتاباتها من الروابط الطبية ما لا يوجد في غيره.
معنى اسم ميترودورا في اللغة الاغريقية مشتق من (ميتر) وتعني الأم ، و(دورون) وتعني الهدية أو الهبة.

الأحد، 13 يناير 2013

فريدريك غرانت بانتنغ : الأحدث سناً في الحائزين على جائزة نوبل في الطب

فريدريك غرانت بانتنغ : الأحدث سناً في الحائزين على جائزة نوبل في الطب 
ترجمة واعداد : د.عبدالرحمن أقرع


يشير الموقع الرسمي لجائزة نوبل على الشبكة العنكبوتية أن متوسط عمر الحائزين على جائزة نوبل منذ نشأتها عام 1901 وحتى عام2011 م هو 57 عاماً ، وأن أصغر الحائزين عليها سناً هو الطبيب الكندي السير فريدريك غرانت بانتنغ ، والذي حاز على الجائزة الدولية في الثانية والثلاثين من عمره. وقد حصل على الجائزة في العام 1923 مناصفة مع جون ماكليود بصفتهما المكتشفين الرئيسيين للانسولين.
حياة هذا الطبيب حافلة بالأحداث كما بالانجازات ، وهو بالاضافة الى كونه طبيباً وعالماً طبياً فهو أيضاً مشهورٌ كرسام ، ولهذا كله حصل بعد سنين عدة من وفاته على لقب رابع أعظم كندي.
ولد السير بانتنغ عام 1891 م في أليستون في أونتاريو بكندا  ، وكان الأصغر بين خمسة أخوة ، وتلقى علومه في ألينستون قبل أن يتقدم بطلب للالتحاق بالجيش ، بيد أن طلبه رفضَ آنذاك نظراً لمعاناته من ضعف النظر فالتحق بالجامعة لدراسة علم اللاهوت ، ثم تحول لدراسة الطب وتخرج من الكلية الطبية في جامعة تورنتو عام 1916 م.
وفي الحرب العالمية الأولى تم ادراجه كطبيب في الجمعية الطبية للجيش الكندي حيث كان بحاجة ماسة لأطباء ، وجرح أثناء الخدمة في معركة ( كامباري ) عام 1918 ، وظل رغم جراحه يسعف الجراحة لمدة 16 ساعة قبل أن يطلب منه طبيب آخر التوقف ، وكوفئ بوسام الصليب العسكري من قبل الجيش تقديراً لبطولته.
وبعد الحرب أكمل بانتنغ تخصصه الطبي في جراحة العظام والمفاصل ، وقام كذلك بالتدريس بشكل جزئي في جامعة بلندن في أونتاريو ، وحصل على شهادة التخصص الطبي مع الميدالية الذهبية عام 1922م.
بدأ اهتمانم بانتنغ بمرض السكر بعد قراءة مقال عن البنكرياس ، وقد كانت عدة أعمال لباحثين تشير الى أن مرض السكر ينجم عن نقص لهرمون تفرزه جزر لانجرهانس الغدية في البنكرياس يؤدي نقصه الى ارتفاع سكر الدم ، بيد أن عزل الانسولين كان من الصعوبة بمكان لكونه هرموناً بروتينياً يتحطم بفعل الانزيمات الهاضمة للبنكرياس نفسه .
ثم اطلع بانتنغ على مقال علمي لموزيس بارون يتحدث فيه عن تجربته في اغلاق قناة البنكرياس التي تصب في الأمعاء الدقيقة فأثر ذلك المقال على بانتنغ وألهمه الى الاستنتاج أن اغلاق قناة البنكرياس ستؤدي الى تلف الخلايا الغدية غير الصماء التي تفرز الانزيم الهاضم (تريبسين)  مما يؤدي لاحقاً الى تحطيم الخلايا الخاصة بانتاج التريبسين دون تأثر الانسولين بذلك وبعد موتها يمكن عزل الانسولين بسهولة.

وقد شرح بانتنغ طريقته في عزل الانسولين لعالم الفيسيولوجيا في جامعة تورنتو ( جون ماكليود) الذي اقتنع بالفكرة وقدم تسهيلات بحثية مخبرية لبانتنغ وكلف أحد الطلبة (د. تشارلز بيست ) لمساعدة بانتنغ ، فبدأ بانتنغ وبيست في العمل حتى تمكنا من عزل الانسولين ، فحاز بانتنغ وماكليود على جائزة نوبل في الطب والفسيولوجيا عام 1923 م. 
ولم ينسَ بانتنغ مساعده في البحث الطالب تشارلز بيست فتقاسم معه حصته من جائزة نوبل.
ولم تقتصر جهود بانتنغ العلمية على عزل الانسولين ، بل شملت أبحاثه مجالات السرطان والسحار السيليسي (سيليكوزيز) ، وميكانيكية الغرق ، كما أبدى اهتماماً ملحوظاُ بفسيولوجيا الطيارين في الجو وساهم أثناء الحرب العالمية الثانية مع سلاح الجو الكندي في البحث العلمي في هذا المجال وتراس وحدة البحث التابعة لسلاح الجو لتفسير الظواهر الفسيولوجية والسريرية الخاصة بالطيارين المحلقين على علو كبير.
وقد توفي السير بانتنغ عام 1941 أثناء سفره الى انجلترا لتقديم بحثٍ أحده أحد زملائه.
وبالاضافة الى مجده العلمي فقد أبدى اهتماماً بالرسم منذ عام 1921 ، وكان صديقاً لمجموعة السبعة فنانين الذين تشاطروا العشق لرسم الطبيعة الوعرة لكندا ، وقام برحلات للرسم في عدة بقاع داخل كندا وخارجها ورسم لوحات زيتية وأخرى بالحبر ، وتعود ملكية لوحاته الآن الى متحف الفن الوطني في كندا.




السبت، 12 يناير 2013

بعض صفات الأطباء من رسم اسقيليبيوس


بعض صفات الأطباء من رسم ( اسقيليبيوس )
بقلم: د.عبدالرحمن أقرع 
أفرد العلماء منذ فجر التاريخ صفاتٍ مميزة ينبغي أن يتحلى بها الطبيب ، حتى غدت هذه الصفات في عصرنا الحالي جزءاً أصيلاً من علم الأخلاق الطبي ، ولا شك أن كل حضارة قد تأثرت ببيئتها الثقافية عند افراد الصفات الخاصة لأطبائها.
وسنذكر في هذه المقالة طرفاً من الصفات المندوبة للمنشغلين بصناعة الطب من خلال وصفٍ مثير لصورة ( تمثال) أول وأقدم الأطباء الاغريق (اسقيليبيوس) من خلال ما ذكر المؤرخ الطبي العربي الكبير ( ابن أبي أصيبعة) في كتابه الموسوعي ( عيون الأنباء في طبقات الأطباء ) نقلا عن عن الطبيب الاغريقي الشهير (جالينوس) الذي قدم وصفاً مثيراً لصورة الطبيب الاغريقي الأول ( اسقيليبيوس) الذي حذق في الطب الى درجة دفعت الاغريق الى تأليهه والاستشفاء بقبره وايقاد القناديل عليه. 
ولسنا هنا في صدد  ترجمة اسقيليبيوس بقدر ما نريد الوقوف قليلاً على هذا الوصف وما استنبطه (جالينوس) من صفاتٍ ينبغي أن يتحلى بها الأطباء كما نقل لنا ( ابن أبي أصيبعة) عن ( جالينوس) ، ولا أنفي احتمالية تداخل كلام ابن أبي أصيبعة بكلام جالينوس لعدم وجود فواصل بين كلام العملاقين في نسخة الكتاب الموجودة بحوزتي على الأقل.
تمثال اسقيليبيوس 
وهذه الصفات نلخصها في نقاط نستشهد على كل نقطة منها بوصف جالينوس وتفسيره.
1- العفة والنضوج وكبر السن : فيما يتعلق بالعفة فهو أمر مفروغ منه ليس في مهنة الطب فحسب بل في المهن جميعاً ، ولكن وجودها في المهنة الطبية أمر حتمي وذلك لاطلاع الطبيب على أسرار البشر وعوراتهم أكثر من غيره ، وأما كبر السن والنضوج فهو مفروغ منه كذلك لأن المهنة الطبية تقتضي سنيناً أطول في دراستها من بقية العلوم ، ناهيك عن سنوات أخرى يقضيها الطبيب في التخصص ، مما يجعل سنين دراسته في أفضل الأحوال لا تقل عن عشر أعوام. ، اذ يقول ابن أبي أصيبعة فيما ينقل عن جالينوس :( قال جالينوس:  وأما صورته فصورة رجل ملتح متزين بجمة ذات ذوائب، ومما يبحث من أمر السبب في تصويره ملتحياً وتصوير أبيه أمرد، فبعض الناس يقول إنه صور وصيغ على هذه الحال، لأنه في وقت ما أصعده اللَّه إليه كان كذلك، والبعض قال إن السبب في ذلك أن صناعته تحتاج إلى العفة والشيخوخة).
كما يقول  في موضعٍ آخر واصفاً عصا اسقيليبيوس : ( ويصورآخذاً بيده عصاً، معوجة ذات شعب، من شجرة الخطمي فيدل بذلك على أنه يمكن في صناعة الطب أن يبلغ بمن استعملها من السن أن يحتاج إلى عصا يتكئ عليها) وقد يبدو الوصف هنا مبالغاً فيه ، ولكنه يشير بشكلٍ أو آخر الى ما ذكرناه آنفاً من حاجة الطبيب لوقتٍ طويل في تعلم مهنته.
2-  التفلسف : ويقصد به هنا - حسب رأي- حب الحكمة والمعرفة ، فالفلسفة مصطلح مشتق من ( فيلو: وتعني الحب ) و ( سوفيا: الحكمة) ، فالطبيب في توقٍ دائم للمعرفة ، وينبغي أن يمتاز بغزارة العلم ورسوخه ، وهذه صفة تنقرض مع الزمن نظراً لاقبال الطلبة وتنافسهم على حوز الدرجات الأعلى في التقييم الجامعي دون التفاتٍ حقيقي الى ذات الحكمة والمعرفة  الا من رحم ربي  ، ويستدل جالينوس على ذلك بأن اسقيليبيوس كان ( قائماً متشمراً مجموع
الثياب، فيدل هذا الشكل على أنه ينبغي للأطباء أن يتفلسفوا في جميع الأوقات).
3- اتقان الفنون الكثيرة المتعددة للطب ، ويستدل (جالينوس ) على ذلك من صفة عصا اسقيليبيوس ، اذ يقول : (وأما أعوجاجها وكثرة شعبها فتدل على كثرة الأصناف والتفنن الموجود في صناعة الطب). فالطب لعمري علمٌ وفن ، وهو علمٌ جامع تجد في خمائله مزيج شذى العلوم الطبيعية وأريج العلوم الانسانية ، ناهيك عن قسطٍ وافرٍ من الجمال في فنونه التشخيصية والعلاجية ونفائسه المعرفية كذلك. والطبيب هو بيضة الميزان في الحقل الطبي ينبغي أن يلم بكافة المهارات التطبيبية والتمريضية والصيدلانية كذلك ، اذ لن يعفيه علمه الغزير من زرق مريض بالابرة ولا من شق خراج بالمشرط ولا يعذر ان جهل جرعة دواء، ومن ثم لا يليق به الا اتقان الفنون الكثيرة المتعددة للطب ، ولا يشفع للطبيب المختص تقوقعه داخل حقل تخصصه.
4- الذكاء وحدة النظر والسهر من أجل المعرفة : ويستدل جالينوس على ذلك من تزيين عصا اسقيليبوس بالتنين ، اذ يقول : (ولن نجدهم أيضاً تركوا تلك العصا بغير زينة ولا هيئة، لكنهم صوروا عليها صورة حيوان طويل العمر، ملتف عليها وهو التنين، ويقرب هذا الحيوان من اسقليبيوس لأسباب كثيرة، أحدها أنه حيوان حاد النظر، كثير السهر، لا ينام في وقت من الأوقات، وقد ينبغي لمن قصد تعلم صناعة الطب أن لا يتشاغل عنها بالنوم، ويكون في غاية الذكاء ليمكنه أن يتقدم فينذر بما هو حاضر، وبما من شأنه أن
يحدث) . ويعضد جالينوس هنا رأيه بقول ( أبوقراط) : ( إني أرى أنه من أفضل الأمور أن يستعمل الطبيب سابق النظر، وذلك أنه إذا سبق فعلم وتقدم، فانذر المرضى بالشيء الحاضر مما بهم، وما مضى وما يستأنف) .
ولا أرى كلاً من أبقراط وجالينوس قد أرادا من قولهم هذا سوى القدرة على التشخيص وعلى التكهن بحالة المريض الصحية المستقبلية والتي ندعوها في علمنا الحديث بالبرغنوزا ( prognosis) وكلا القدرتين يحتاجان للمعرفة والذكاء وحدة النظر ، والمعرفة تحتاج الى الجد والسهر وبذل الجهد . 
5- المرح ( الانصراف عن الحزن) : ويستدل جالينوس بذلك بوجود اكليل غار على رأس اسقيليبيوس ، وهذه الشجرة في اعتقاد الاغريق تذهب الحزن ، يقول : (وإذا صوروا أسقليبيوس جعل على رأسه إكليل متخذ من شجر الغار، لأن هذه الشجرة تذهب بالحزن، ولهذا نجد هرمس إذ سمي المهيب كلل بمثل هذا الإكليل، فإن الأطباء ينبغي لهم أن يصرفوا عنهم الأحزان كذلك كلل اسقليبوس بأكليل يذهب بالحزن) .
وهذه الصفة الأخيرة ينبغي أن تلازم الطبيب ، وذلك لكثرة المشاهد المأساوية التي يعايشها في يوميات الممارسة الطبية من ألم المرضى أو حزن ذويهم ، كذلك لما لصفة المرح من طاقة ايجابية تنتقل الى المريض وذويه فتكون عونا على الشفاء وشداً من أزره في معركته مع الداء.
هذه الصفات وغيرها تهيء الطبيب أن يكون في مركزه المتقدم لخدمة البشرية المحتاجة اليه ، فالكل يحتاج الى الطب والأطباء ، ولهذا - كما يقول جالينوس) : ( وإذا صوروا ذلك التنين جعلوا بيده بيضه، يومون بذلك إلى أن هذا العالم كله يحتاج إلى الطب، ومثال الكل مثال البيضة).

عصا اقيليبيوس الملتف حولها تنين (ثعبان) والتي أصبحت شعاراً للطب حتى يومنا هذه

الجمعة، 11 يناير 2013

اختراع السماعة الطبية

اختراع السماعة الطبية 
بقلم: د.عبدالرحمن أقرع
مر ما يقرب القرنان على اختراع السماعة الطبية ، شهد خلالها الحقل الطبي العديد من الاختراعات للوسائل التشخيصية التي جعلت  من تشخيص أمراض القلب والرئتين أمراً سهل المنال ، بيد أن مكانة السماعة الطبية لم تتراجع ، فقد ظلت أداةً تشخيصية لا غنى للطبيب عنها ، ولا يكتمل تشخيص المرض بدونها ، ناهيك عن كونها معياراً لمهارة الطبيب الذي يستطيع بأبسط الوسائل وضع تشخيصٍ للمرض بأقل كلفة للمريض وللمؤسسة الطبية سواءً بسواء.
لقد كان التنصت على الأصوات التي يصدرها القلب اجراءً طبياً أساسيا منذ عهد أبوقراط ، حيث كان الطبيب يضع أذنه على صدر مريضه لسماع نبضات القلب ، وظل الأمر على هذه الصورة حتى لدى مخترع السماعة وهو الطبيب الفرنسي ( رينيه ثيوفيل-هاسانث لينيك) نفسه.
بيد أن شعوراً بالحرج اعترى المخترع العظيم عندما أراد أن يتنصت على قلب امرأة شابة بدينة ، ففكر ملياً وقال في نفسه: يمكن للمرء أن يسمع صوت كشط الدبوس على لوحٍ من الخشب اذا وضع أذنه على الجهة الأخرى للوح ، فقام وانتزع رزمة ورقية ولفها على هيئة اسطوانة وضع أحد طرفيها على أذنيه فيما وضع الطرف الآخر على صدر المريضة.
ويقول لينيك واصفاً تجربته: شعرت بالفرح والدهشة عندما تمكنت من سماع نبضات القلب بشكلٍ أكثر وضوحاً من وضع الأذن على صدر المريض نفسه كما هو المعتاد). كان ذلك عام 1816 م.
الطبيب الفرنسي : رينيه لينيك
وقام بعدها رينيه لينيك بصنع السماعة الطبية الأولى على هيئة أنبوبٍ خشبي بعد أن تفاجأ بجودة صوت النبض عبر الأنبوب الورقي الذي أنقذه من حرج وضع الرأس على صدر المريضة الشابة .
وتم تحسين السماعة وتطويرها فيما بعد من قبل العديد من المخترعين بما في ذلك جعل قطعتين سمعيتين لكلتا الأذنين  بعد أن كانت تتسع لأذن واحدة فقط ، بيد أن التحسين الأبرز كان استبدال الخشب بالمطاط من قبل  الطبيب الأمريكي (جورج كامان) عام 1850 ميلادية.
سماعة كامان ( 1860)
لقد أهدى الطبيب الفرنسي لينيك لأجيال الأطباء من بعده أثمن اختراع ، ولكن : وانصافاً لجهوده يجب أن نشير أن السماعة الطبية لم تكن المساهمة الوحيدة للينيك في الحقل الطبي ، فهو أو من أطلق اسم (سيروزيز) علىى مرض التشمع الكبدي مستقيا اياه من الكلمة الاغريقية (سيرو أو كيرو ) والتي تعني ( الأصفر المسمر) وهو لون البقع الجلدية التي تظهر على جلد مريض التشمع الكبدي . كما ومنح اسم (ميلانوما) للورم الميلانيني مستقياً اسمه من الكلمة الغريقية (ميلانو) وتعني الأسود وهو لا يزال على مقاعد الدراسة.
ويرجع سر اختياره لاسماءٍ اغريقية ربما الى الفترة التي انقطع فيها عن دراسة الطب تلبية لرغبة والده المحامي حيث قضى زمناً بعد انقطاعه عن الدراسة يتجول في الأرياف ويكتب الشعر ويتعلم اللغة اليونانية.
وقد ارتبط اسمه كذلك ببما يعرف بعَرَض لينيك أو نشاز هامان وهو تشخيص لصوت يصدر من الصدر في حال وجود مرض النفاخ الرئوي ، وارتبط كذلك بمسمى ( لآلئ لينيك) والتي توجد في تفل مريض الربو حيث كان أول من أشار اليها.
لقد عاش رينيه لينيك 45 عاماً فقط على وجه هذا الكوكب بيد أن العطاء الذي تركه قد خلد اسمه للأبد ، وهذا لعمري هو الخلود الحقيقي.