اختراع السماعة الطبية
بقلم: د.عبدالرحمن أقرع
مر ما يقرب القرنان على اختراع السماعة الطبية ، شهد خلالها الحقل الطبي العديد من الاختراعات للوسائل التشخيصية التي جعلت من تشخيص أمراض القلب والرئتين أمراً سهل المنال ، بيد أن مكانة السماعة الطبية لم تتراجع ، فقد ظلت أداةً تشخيصية لا غنى للطبيب عنها ، ولا يكتمل تشخيص المرض بدونها ، ناهيك عن كونها معياراً لمهارة الطبيب الذي يستطيع بأبسط الوسائل وضع تشخيصٍ للمرض بأقل كلفة للمريض وللمؤسسة الطبية سواءً بسواء.
لقد كان التنصت على الأصوات التي يصدرها القلب اجراءً طبياً أساسيا منذ عهد أبوقراط ، حيث كان الطبيب يضع أذنه على صدر مريضه لسماع نبضات القلب ، وظل الأمر على هذه الصورة حتى لدى مخترع السماعة وهو الطبيب الفرنسي ( رينيه ثيوفيل-هاسانث لينيك) نفسه.
بيد أن شعوراً بالحرج اعترى المخترع العظيم عندما أراد أن يتنصت على قلب امرأة شابة بدينة ، ففكر ملياً وقال في نفسه: يمكن للمرء أن يسمع صوت كشط الدبوس على لوحٍ من الخشب اذا وضع أذنه على الجهة الأخرى للوح ، فقام وانتزع رزمة ورقية ولفها على هيئة اسطوانة وضع أحد طرفيها على أذنيه فيما وضع الطرف الآخر على صدر المريضة.
ويقول لينيك واصفاً تجربته: شعرت بالفرح والدهشة عندما تمكنت من سماع نبضات القلب بشكلٍ أكثر وضوحاً من وضع الأذن على صدر المريض نفسه كما هو المعتاد). كان ذلك عام 1816 م.
الطبيب الفرنسي : رينيه لينيك
وقام بعدها رينيه لينيك بصنع السماعة الطبية الأولى على هيئة أنبوبٍ خشبي بعد أن تفاجأ بجودة صوت النبض عبر الأنبوب الورقي الذي أنقذه من حرج وضع الرأس على صدر المريضة الشابة .
وتم تحسين السماعة وتطويرها فيما بعد من قبل العديد من المخترعين بما في ذلك جعل قطعتين سمعيتين لكلتا الأذنين بعد أن كانت تتسع لأذن واحدة فقط ، بيد أن التحسين الأبرز كان استبدال الخشب بالمطاط من قبل الطبيب الأمريكي (جورج كامان) عام 1850 ميلادية.
سماعة كامان ( 1860)
لقد أهدى الطبيب الفرنسي لينيك لأجيال الأطباء من بعده أثمن اختراع ، ولكن : وانصافاً لجهوده يجب أن نشير أن السماعة الطبية لم تكن المساهمة الوحيدة للينيك في الحقل الطبي ، فهو أو من أطلق اسم (سيروزيز) علىى مرض التشمع الكبدي مستقيا اياه من الكلمة الاغريقية (سيرو أو كيرو ) والتي تعني ( الأصفر المسمر) وهو لون البقع الجلدية التي تظهر على جلد مريض التشمع الكبدي . كما ومنح اسم (ميلانوما) للورم الميلانيني مستقياً اسمه من الكلمة الغريقية (ميلانو) وتعني الأسود وهو لا يزال على مقاعد الدراسة.
ويرجع سر اختياره لاسماءٍ اغريقية ربما الى الفترة التي انقطع فيها عن دراسة الطب تلبية لرغبة والده المحامي حيث قضى زمناً بعد انقطاعه عن الدراسة يتجول في الأرياف ويكتب الشعر ويتعلم اللغة اليونانية.
وقد ارتبط اسمه كذلك ببما يعرف بعَرَض لينيك أو نشاز هامان وهو تشخيص لصوت يصدر من الصدر في حال وجود مرض النفاخ الرئوي ، وارتبط كذلك بمسمى ( لآلئ لينيك) والتي توجد في تفل مريض الربو حيث كان أول من أشار اليها.
لقد عاش رينيه لينيك 45 عاماً فقط على وجه هذا الكوكب بيد أن العطاء الذي تركه قد خلد اسمه للأبد ، وهذا لعمري هو الخلود الحقيقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق