أغنوديس
في الزمن الغابر للحضارة الاغريقية كات الممارسة الطبية حكرا على الرجال ، وظل الامر كذلك حتى خرقت امرأة اغريقية شجاعة جدار الصمت ، وانتزعت حقا لبنات جنسها في ممارسة هذه المهنة الانسانية النبيلة لتغير وجه التاريخ بعد ان تسلحت بالايمان بدورها في صياغة مفردات الحياة. تلك هي (أغنوديس) الاغريقية.
وان اختلف الممؤرخون في كينونة (أغنوديس) كوجه تاريخي حقيقي ، ام مجرد اسم من الاسماء التي تزخر بها الميثولوجيا اليونانية ، الا ان حكايتها التي أكدها (هيجينوس) احد الكتاب اللتين في القرن الاول للميلاد جديرة بأن تسرد ، بل وان تجسد مثلا للطموح المتقد الذي يصر على بلوغ الغاية مهما كانت التضحيات.
فقد كانت تلك الفتاة البكر مغرمة بدراسة الطب الذي حرم على بنات جنسها وفقا لقوانين مجتمعها الاغريقي وأعرافه ، الا ان ولوعها بذلك العلم الانساني السامي اوحى لها بأن تدبر أمرا ، فما كان منها الا ان تمسك بالمقص و تقص شعرها الذي هو رأسمال الجمال لكل فتاة في زمنها ، ثم لترتدي ملابس الرجال متنكرة تحاشيا للاصطدام بالعرف غير العادل ، لتصبح تلميذة (تلميذا) من تلامذة (هيروفيلوس)، ذلك الطبيب الاغريقي الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد وذاع صيته كاول من وضع اسس علم التشريح للجسد البشري ، كما حظى بالخلود التاريخي لكونه مؤسس مكتبة الاسكندرية الطبية.
ودأبت (أغنوديس) على حضور دروسه حتى تعلمت الفن الذي طالما طمحت لاتقانه ، وان كلفها التنكر في هيئة الرجال ، وذات ليلة سمعت صوت امرأة تستغيث تحت وطأة الام الطلق ، فهرعت لمساعدتها ، ففاجأها رفض تلك المرأة لتلقي مساعدتها ظنا منها انها رجل رغم معاناة المخاض ، فابتسمت (اغنوديس) وخلعت عنها ثياب الرجال مظهرة مفاتنها الانثوية باعثة الطمأنينة في نفس المرأة التي استسلمت لعلاج امرأة مثلها بسكينة وسلام.
غير ان الامر ذاع فلم يرق للاطباء الذكور الذين صدمتهم حقيقة ان النساء لا يحبذن خدماتهم طالما ان امرأة من بنات جنسهن تتقن ما يتقنونه هم انفسهم، فاتهموا أغنوديس(الرجل) باغواء النساء ، كما اتهموا النساء بالتظاهر بالمرض ليحظين بالخلوة مع (اغنوديس) الامر الذي قاد اغنوديس أخيرا للمثول امام العدالة لتصم اذنيها سيول الاتهامات من الرجال الذين لم يتأنوا في كيل التهم جزافا ، فما كان منها الا ان خلعت ردائها الرجالي ثانية في قاعة المحكمة مثبتة هويتها الانثوية ، واذ اسقط في يد الرجال ، بدأوا نوعا اخر من الاتهامات وهذه المرة لكونها خالفت القانون بتعلم الطب المحرم على النساء.
وبين هرج و مرج سادا قاعة المحكمة دخلت نساء القادة الاغريق ليعلن بصوت واضح لا لبس فيه قائلات : ( ايها الرجال،لستم ازواجا بل اعداء اذ تدينون من وهبت لنا الصحة والحياة بفنها الذي حذقت فيه ، وتكيلون لها تهما هي منها براء) ، كان الصوت من الوضوح والحسم بمقدار ، مما دفع رجالات المجتمع وقادته للتشاور ومن ثم الخروج بقرار تعديل القوانين بما يسمح للنساء بتعلم وممارسة الفن الطبي
.
الحلقة الثانية-
(إليزابيث بلا كويل)
في أواسط القرن التاسع عشر لم يكن الحال في الغرب كما هو عليه الآن، ففي أمريكا مثلا لم تحظ النساء بحق الترشيح أو حتى الاقتراع ، كما لم يكن مألوفا أن ترتاد النساء المعاهد والجامعات ، بل لم تكن الأعراف الاجتماعية تبيح لهن حتى ممارسة أي مهنة خارج المنزل ، ناهيك عن وصمهن بأنهن الأقل ذكاء ، والأضعف جسديا ، والأشد حساسية من الرجال.
ولم تكن الأمور في الحقل الطبي بمختلفة عنها في حقول الحياة الأخرى ، بل إن ما كانت تقذف به النساء من ضحالة الفهم، والضعف الجسدي ، والحساسية المفرطة كان حائلا دون دخولهن معترك العلوم والمهن الطبية، وظل الأمر كذلك حتى غيرت فتاة أمريكية شابة وجه التاريخ.
ففي العام 1848 ، وفي مدينة نيويورك تقدمت فتاة تدعى (إليزابيث بلا كويل ) بأوراقها إلى كلية جنيف الطبية-فرع نيويورك ، الأمر الذي وضع إداريي الكلية المذكورة في حرج شديد ،فقبول الإناث لم يكن أمرا مألوفا ، كما أنهم لم يرغبوا بالمغامرة في رفض طلب للالتحاق لمجرد أن المتقدم به امرأة ، فارتأوا أن الخروج من المأزق يمر عبر طرح الموضوع على طلبة الكلية للتصويت. وكانت لعبة القدر بالنسبة لايليزابيث أن ظن الطلبة أن الأمر لا يعدوا كونه نكتة من إحدى الكليات المنافسة لكليتهم فأجمعت أصواتهم على قبول الطلب.
وانصهرت إليزابيث في بوتقة الدراسة الطبية الصعبة يحدوها ذكاؤها المتقد ، وإرادتها الصلبة ، وقوة الروح التي بثت القوة في الجسد الأنثوي فاحتمل الجلوس لساعات طوال في قاعات المحاضرات ، وامتدت الأنامل الرقيقة الناعمة إلى المشرط التشريحي دون خوف أو ارتعاش لتشارك في تشريح جثة رجل ، مجسدة عملا تلك العبارة اللاتينية المنقوشة على جدران قاعات التشريح في ألازمان الغابرة : ( هنا..يعلم الأموات الاحياءً ماهية الحياة) ، الأمر الذي يعد في غاية الفظاظة بالنسبة لفتاة في ذلك الزمن بما اصطبغ به من أعراف وتقاليد.
وتدنو اللحظة التي انتظرتها (إليزابيث ) طويلا ، وفي اليوم الموعود يصطف الخريجون لتلقي شهاداتهم الجامعية ، تتقدمهم (إليزابيث) الأولى على دفعتها، ليتحدث عريف الحفل طويلا عن إنجازاتها و تميز أدائها كطالبة في كلية الطب ، ولكن..دون أن يذكر اسمها ولو لمرة واحدة ، وكان اسمها الأنثوي عورة لا ينبغي أن تكشف على الملأ.
ومدفوعة بعشق صوفي للمجد الإنساني حزمت (إليزابيث) حقائبها إلى (باريس)لتتلقى تدريبها الإكلينيكي في مجال طب النساء والولادة ، عائدة إلى الولايات المتحدة لخدمة بنات وطنها بما حبيت به من علم وخبرة.
وكانت الصدمة أنها لم تستطع الحصول على مهنة في مشافي ومستوصفات أمريكا لا لشيء إلا لجنسها الأنثوي . ولكن هيهات لمن اعتادت على شحذ إرادتها أن تستسلم أو ترضخ لغياهب الإحباط ، فكان أن شكلت مع زميلتين لها أول مستشفى للنساء والأطفال يدار بشكل كامل من قبل طاقم أنثوي، ويعنى بشكل كامل كذلك بصحة النساء والأطفال ، فلطالما أمنت (إليزابيث ) أن رقة المرأة، وطبيعتها الودودة ، وغريزتها الامومية كفيلة بان تجعل منها طبيبة بالفطرة
ولم تكن تلك المرأة الظاهرة لتضيع وقتها عبثا ، فقد دأبت على كتابة المحاضرات أثناء انتظارها للمرضى مع زميلتيها ، حيث كتبت عن أهمية التعقيم في الوقاية من المرض ، ودور التغذية والتريض في تقوية مناعة الإنسان في مواجهة الأمراض واثر هما البالغ في التسريع بالشفاء بعد حدوث المرض، بل وسبقت زمانها عندما تحدثت وقتذاك عن تضافر التعليم والقانون لخلق مجتمع صحي، و صدحت في إحدى محاضراتها قائلة : ( إن صحة الشعب هي أهم ما تهتم به أي حكومة حكيمة)، ثم توجت أعمالها بافتتاح كلية طب الإناث عام 1860م التي اختصت بتعليم المهنة الطبية للطالبات ، والتي أغلقت بعد 33 عاما من افتتاحها عندما بدأت المعاهد الطبية بقبول الإناث. غير أن الكلية المذكورة تركت بصمة جلية في التاريخ الطبي عندما جعلت تدريس علم الصحة والنظافة شقا أساسيا من الخطة الدراسية ليتطور في ما بعد كقسم مستقل من الكلية الطبية
ومن المحطات البارزة في حياة (إليزابيث بلا كويل ) عملها مع الممرضة ذائعة الصيت ( فلورنس ناينتنجيل) أثناء الحرب الأهلية في اختيار وتدريب الممرضات لممارسة دورهن في إسعاف الجرحى ن حيث عملتا معا على تأسيس الوكالة الأمريكية للعناية الصحية عام 1861 ، تلك المنظمة التي عملت على تحسين الظروف الصحية في المشافي العسكرية وفرض أنظمة غذائية وصحية أفضل للجنود .
تلك هي (إليزابيث بلا كويل) أول خريجة أنثى من المعاهد الطبية الأمريكية، وأول مؤسس لمشفى خاص بصحة المرأة ، وأول من شيد كلية طبية للإناث..لقد تفتقت أرحام الحياة بعدها عن طبيبات كثر في تلك البلاد غير أنها على صفحات سفر التاريخ الطبي تظل الأولى.
إليزابيث غاريت أندرسن
الطبيبة العمدة..وأولى طبيبات بريطانيا
تحدثنا في الحلقة السابقة عن( إليزابيث بلاكويل) من الولايات المتحدة الأمريكية ، واليوم سنتحدث عن (إليزابيث )أخرى في مكانٍ آخر من العالم ، وعلى أطراف أوروبا في الجزر البريطانية حيث ولدت (إليزابيث غاريت أندرسن ) في رحاب عائلة كبيرة تضم عشرة أفراد من كلا الجنسين ، يعيلها رجل أعمال وسياسي راديكالي هو والد (إليزابيث)، التي ولدت عام 1836.
بدأت ميولها الطبية تتململ في ذاتها عندما استمعت لمحاضرة ألقتها الطبيبة الأمريكية سالفة الذكر (إليزابيث بلاكويل) بعنوان ( ألطب كمهنة للنساء) ، غير أن ميولها الطبية اصطدمت في البداية بمعارضة أبيها ، الذي تمكنت فيما بعد من إقناعه بوجهة نظرها بلباقة ، بل وكسبته إلى جانبها لتلتحق بداية بالتدريب الطبي كممرضة جراحية ،حيث كانت الأنثى الوحيدة في الصف الدراسي ، محظورٌ عليها المشاركة الكاملة في غرفة العمليات..حرماناً شحذ فيها التحدي لتحوز المرتبة الأولى في صفها ، الأمر الذي فجر حسد زملائها الذين قاموا بمقاطعتها ، ومن ثمَّ حرمانها من المحاضرات.
ثم تقدمت بعدذاك بأوراقها إلى عدة كليات طبية إلا أن طلبها كان يواجه دائماً بالرفض ، لا لشيء إلا لكونها أنثى ثم قبلت بعد طول عناء للدراسة الخاصة في مجال الصيدلة ، وتحتم عليها بعدذاك أن تكافح من أجل الحصول على رخصة العمل الصيدلاني حيث رتبت (جمعية الصيادلة) أمورها بحيث يعاق دخول الإناث إليها .
وبعد صراع مرير حصلت على رخصة مزاولة المهنة لتقوم بافتتاح مستوصف للأطفال والنساء في لندن عام 1866 والذي أصبح بعد ذلك بأربع سنوات (المستشفى الجديد للنساء والأطفال) كمشفى وحيد في بريطانيا يقدم المساقات الدراسية الطبية للنساء.
وكانت (إليزابيث )تتقن الفرنسية ، الأمر الذي مكنها من التسجيل لدرجة طبية في جامعة السور بون بباريس عام 1870، وأصبحت في العام نفسه أول امرأة تتبوأ منصبا طبيا في بريطانيا. وفي العام المذكور كذلك رشحت نفسها مع امرأة أخرى هي (إميلي دافيس) لانتخابات مجلس مدارس لندن لتحصد العدد الأكبر من الأصوات ، بعد مضي فترة وجيزة من قبول المجلس المذكور لعضوية الإناث.
تزوجت عام 1871 من التاجر (جيمس سكيلتون أندرسن) وأنجبت منه طفلين. لتصبح ابنتها فيما بعد طبيبة وناشطة في الدفاع عن حقوق النساء مواصلة درب امها.
وقد خاضت (اليزابيث) جدلا طبيا واسعا عام 1870 ، وعارضت المدعين بأن انغماس النساء في التعليم العالي يحد من كفاءة الإخصاب لديهن، أو أن الدورة الشهرية تجعل من المرأة ضعيفة ضعفا لا يؤهلها لتحمل أعباء التعليم العالي. كما وأثبت أن ممارسة الرياضة تؤثر ايجابيا على جسد وعقل المرأة كما هو الحال عند الذكور.
وقد أثمر كفاح (إليزابيث) أخيرا بانضمامها عام 1873ا لنقابة الأطباء البريطانيين لتكون العضو الأنثوي الوحيد فيه لمدة 19 عاما ، ليتلو ذلك تعيينها كمحاضرة (كلية لندن الطبية للنساء ) عام 1874 ،الكلية التي شغلت إليزابيث أندرسن) عمادتها ً لمدة عشرين عاما.
وفي عام1893 ساهمت (اليزابيث أندرسن ) في تأسيس كلية( جون هوبكينز) الطبية ، مع نساء أخريات اشترطن جميعا قبول الإناث فيه مقابل المساهمة في تمويله.
كما ونشطت (إليزابيث) سياسيا للمطالبة بحق الاقتراع للنساء ، كما وتم انتخابها عمدة ً ل(ألديبورغ) في عام
1908. لتفارق الحياة عام 1917 بعد صراعٍ مرير دفاعا ً عن حقوق المرأة في الحقلين الطبي والسياسي تاركةً بصمتها بوضوح ٍ في سفر التاريخ الطبي كأول طبيبة أنثى مسجلة في بريطانيا العظمى.
وتخليداً لذكراها فقد تم تسمية المستشفى الجديد باسم مستشفى (إليزابيث غاريت) عام 1918،والذي هو اليوم جزء من جامعة لندن
فيرجينيا أبغار
سنتحدث في هذه الحلقة عن طبيبة مميزة ، لا يزال اسمها مرتبطا باسم إحدى أهم الفحوصات والمقاييس السريرية في طب الأطفال حديثي الولادة..المرأة التي ساعدت في توليد 15000 حالة ولادة ، وكانت رائدة في حقل التعليم الأكاديمي ، إضافة إلى كونها باحثة علمية سريرية ، ومتبرعة سخية ، ومعلمة فاضلة.
ولدت في (ويستفيلد)-ولاية نيوجرسي ، حيث ولدت لأبٍ موسيقي لامع ، وورثت منه العزف على الكمان والأدوات الموسيقي الأخرى مبلورةً موهبة موسيقية صاعدة .
تخرجت فيرجينيا أبغار في العام 1929 من كلية (ماونت هوليوك) حيث درست علوم الحيوان ، وبعد أن كافحت أثناء دراستها للإنفاق على نفسها بنفسها ، حيث عملت تارة في مكتبة وتارة نادلة في مطعم ، دون أن تنسى موهبتها الموسيقية حيث واصلت العزف في ضمن أوركستر ، وحصلت على شهادة رياضية ، إضافة إلى كتابتها لبحثٍ متميز للكلية.
وفي العام 1933 تخرجت الرابعة على دفعتها من كلية الطب والجراحة التابعة لجامعة كولومبيا ، ولتصبح خامس امرأة تبدأ تخصصا في الجراحة في المشفى الكولومبي في نيويورك عام 1935.وفي نهاية الدورة اكتشفت أبغار أن فرص الجراح المرأة ضئيلة للغاية ، ناهيك عن أن القلة من الرجال الذين تبوأوا مقامات رفيعة في هذا الحقل كانوا متحيزين ضد المرأة، فانتقلت إلى حقلٍ جديدٍ نسبيا آنذاك في التخصصات الطبية حيث بدأت التخصص في مجال التخدير خلال العامين 1935-1937م في جامعة كولومبيا الكهنوتية أيضا، إضافة إلى جامعة ويسكونسين ، ومستشفى بيليفيو- والتي تقع جميعا في نيويورك- لتصبح خامس طبيب أمريكي يتخرج كأخصائي تخدير في العام 1937.
وفي العام 1938 ذاع صيتها عندما تولت رئاسة قسم التخدير في مركز كولومبيا الطبي الكهنوتي في نيويورك ، ولتكون بذلك أول امرأة ترأس قسما في تلك المؤسسة.
وقد حاضرت فرجينيا أبغار في السنوات العشر من 1949-1959 م. في كلية الطب والجراحة في جامعة كولومبية لتكون أول بروفيسور أنثى برتبة (الأستاذية الكاملة) في ذلك المعهد، وأول بروفيسور بنفس الرتبة في مجال التخدير على الإطلاق.
وفي العام 1949 طورت فرجينيا أبغار ما عرف فيما بعد-وليومنا الحالي- ب(نظام سجل نقاط أبغار) واسع التطبيق في مستشفيات التوليد ، وهو نظام تقييمي لحالة المولود يعتمد على مراقبة خمسة ظواهر حيوية هي:
*لون الجلد
*النبض (سرعة دقات القلب)
*ردة فعل الوليد للمؤثرات الخارجية.
* انقباض العضلات
*التنفس.
وقد كان الإنتباه مركزا في غرف الولادة على الأم دون الوليد قبل أن تقوم (أبغار) باكتشاف نظام سجل النقاط هذا ، ولم يكن الوليد ليحظى بالمراقبة اللازمة إلا بعد دخوله في حالة من ما يعرف بالعسر التنفسي ، وبذلك اتاحت المجال للتقييم الأولي لحالة المولود مما فتح آفاقا واسعة لاتخاذ التدابير الطبية اللازمة لانقاذ الطفل قبل دخوله في حالة العسر التنفسي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض حاد في نسبة وفيات المواليد، كما ودق جرس الإنذار لبعض الممارسات التخديرية الخاطئة أثناء الولادة مما أدى إلى الإقلاع عنها مثل مادة (سيكلوبروبان).
وفي العام 1959 غادرت (أبغار) كولومبيا إلى جون هوبكينز لتحصل على شهادة الدكتوراة في الصحة العامة ، ولتقرر تغيير مهنتها فترأس قسم التشوهات الخلقية في إحدى الجمعيات الوطنية ، ولتساعد على إعادة لفت الأنظار إلى دور شلل الأطفال في التسبب بالتشوهات الخلقية ، ولتستمر في عملها ذاك ثمان سنوات ، لتصبح فيما بعد ولثلاث سنوات 1967-1972 م. مديرة الأبحاث الأساسية للجمعية الوطنية ، حيث لم يقتصر دورها على الإدارة كما يتبادر للذهن لأول وهلة بل وعلى المحاضرة والتثقيف الصحي العام.
كما وكانت في الأعوام 1965-1971 كذلك عضوا في مجلس أمناء جامعة ماونت هوليوك ، إضافة إلى عملها كمحاضرة في نفس الفترة في جامعة (كورنيل) كأول بروفيسور يتخصص في مجال تشوهات الولادة.
وفي العام 1972 نشرت أبغار كتابها: (هل طفلي بخير) والذي أصبح مرجعا هاما للوالدين .وهنا شاركها الجهد في التأليف (جوان بيك).
وفي العام 1973 حاضرت ابغار في جامعة جون هيبكنز ، وفي العامين 1973-1974 أصبحت النائب الأول لرئيس الشؤون الطبية في الجمعية الوطنية.
وفي العام 1974 وفي مدينة نيويورك لفظت ابغار أنفاسها الأخيرة مغادرة هذا العالم بعد حياة حافلة بالإنجازات ، لم تتزوج خلالها قط مرددة عبارة الشهيرة: (لم اجد رجلا يتقن الطهي)..كانت شخصية شاملة بامتياز: فعدا عن ارتقائها في السلم الطبي برعت في الموسيقى ، وصناعة الآلات الموسيقية ، كما ومارست صيد الأسماك كهواية ، وكذلك التصوير الضوئي والبستنة والغولف.
وقد حصدت في حياتها جملة من الجوائز منها:
*أربع درجات شرف بين الأعوام: 1964-1967
*ميدالية رالف ويلدرز- من الجمعية الأمريكية للتخدير.
* ميدالية جامعة كولومبيا الذهبية.
* لقب امرأة العام وذلك في العام 1973.
* جائزة الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال.
د.ماري ووكر
الطبيبة الجراحة -الجاسوسة- أسيرة الحرب- والمتمردة على المألوف
ترجمة: د.عبدالرحمن أقرع
نتحدث اليوم عن طبيبة أمريكية شاركت في الحرب الأهلية بين ولايات الشمال والجنوب كطبيبة ، وحازت على وسام الشرف من الكونغرس الأمريكي عام 1865، بيد أن هذا الوسام قد نزع منها عام 1917.
ولم ينزع الوسام عنها وحدها ، بل ضمن 900 شخصٍ آخرٍ حظوا به، وقد ظن البعض أن نزع الوسام كان عقابا لها لكونها من النساء المؤيدات لحق الإقتراع.
فيما رفض آخرون تصديق ذلك لوجود 909 أوسمة منزوعة عن رجال أيضاً.
بيد أن السبب الحقيقي هو : الرغبة في زيادة الإعتبار للوسام.
ومهما كان السبب فالحقيقة أنها رفضت نزع الوسام وظلت ترتديه إلى أن أسلمت الروح إلى بارئها عام 1919، ليعاد إليها بعد موتها ب 58 عاماً على يد الرئيس كارتر عام 1977.
هي المرأة الوحيدة في الحرب الأهلية وفي كل الحروب في أمريكا التي منحت وسام الكونغرس .
وكانت مثيرة للجدل في كل شيءٍ حتى في زيها ، فقد أضافت البنطال إلى الزي وارتدته تحت تنورتها ، كما وارتدت بزة رجولية وحملت مسدسين في آنٍ واحد.ولم تكن مهنتها العسكرية بعسكريةٍ بالمعنى الكامل لأنها لم تُفَوَّض يوماً، وكانت ترفض التفويضات كجراحٍ في الجيش ، ولكنها عملت متطوعة في مستشفى واشنطن ، كجراحة في الميدان عملت كذلك على جانب خطوط النار لعامين ، ثم عملت جراحاً مساعداً لأربع سنواتٍ أخرى في مشاة أوهايو ، وبعد ذلك دخلت السجن لشهورٍ أربعة كأسيرة حرب ، وبعد تحريرها عادت إلى المشاة كجراحٍ متعاقد ، بيد أنها أنهت بقيت فترة الحرب كجرحٍ في سجن لويسفيل للنساء ، وفي ملجأ أيتامٍ في تينيسي .
وقد تبين فيما بعد أنها وأثناء عملها في المشاة عملت أيضاً جاسوسة مستغلةً تنقلها بين المدنيين لعلاجِ المرضى والجياع.
د. ماري ولكر (1832-1919) المرأة التي لم تتأقلم مع واقعها ، وظلت أثناء ممارستها للطب في أواخر أيامها تتوق لنزعاتِ الصبا فترتدي بنطال الرجال ومعاطفهم وقبعاتهم .
الطبيبة الجراحة الشابة ذات الروح الوطنية العالية التي قاتلت لتنقذ الأرواح ، ولنزع الإعتراف ، وتناقضت مع قيم مجتمعها آنذاك ، وتركت الحرب ندبها فيها بدنيا وعاطفيا، ولكنها واصلت الكفاح بعد الحرب من اجل انتزاع حقوق النساء لسنواتٍ طوال ، فماتت وحيدة مفلسة ، ولم يتذكر أحد خدماتها
في الزمن الغابر للحضارة الاغريقية كات الممارسة الطبية حكرا على الرجال ، وظل الامر كذلك حتى خرقت امرأة اغريقية شجاعة جدار الصمت ، وانتزعت حقا لبنات جنسها في ممارسة هذه المهنة الانسانية النبيلة لتغير وجه التاريخ بعد ان تسلحت بالايمان بدورها في صياغة مفردات الحياة. تلك هي (أغنوديس) الاغريقية.
وان اختلف الممؤرخون في كينونة (أغنوديس) كوجه تاريخي حقيقي ، ام مجرد اسم من الاسماء التي تزخر بها الميثولوجيا اليونانية ، الا ان حكايتها التي أكدها (هيجينوس) احد الكتاب اللتين في القرن الاول للميلاد جديرة بأن تسرد ، بل وان تجسد مثلا للطموح المتقد الذي يصر على بلوغ الغاية مهما كانت التضحيات.
فقد كانت تلك الفتاة البكر مغرمة بدراسة الطب الذي حرم على بنات جنسها وفقا لقوانين مجتمعها الاغريقي وأعرافه ، الا ان ولوعها بذلك العلم الانساني السامي اوحى لها بأن تدبر أمرا ، فما كان منها الا ان تمسك بالمقص و تقص شعرها الذي هو رأسمال الجمال لكل فتاة في زمنها ، ثم لترتدي ملابس الرجال متنكرة تحاشيا للاصطدام بالعرف غير العادل ، لتصبح تلميذة (تلميذا) من تلامذة (هيروفيلوس)، ذلك الطبيب الاغريقي الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد وذاع صيته كاول من وضع اسس علم التشريح للجسد البشري ، كما حظى بالخلود التاريخي لكونه مؤسس مكتبة الاسكندرية الطبية.
ودأبت (أغنوديس) على حضور دروسه حتى تعلمت الفن الذي طالما طمحت لاتقانه ، وان كلفها التنكر في هيئة الرجال ، وذات ليلة سمعت صوت امرأة تستغيث تحت وطأة الام الطلق ، فهرعت لمساعدتها ، ففاجأها رفض تلك المرأة لتلقي مساعدتها ظنا منها انها رجل رغم معاناة المخاض ، فابتسمت (اغنوديس) وخلعت عنها ثياب الرجال مظهرة مفاتنها الانثوية باعثة الطمأنينة في نفس المرأة التي استسلمت لعلاج امرأة مثلها بسكينة وسلام.
غير ان الامر ذاع فلم يرق للاطباء الذكور الذين صدمتهم حقيقة ان النساء لا يحبذن خدماتهم طالما ان امرأة من بنات جنسهن تتقن ما يتقنونه هم انفسهم، فاتهموا أغنوديس(الرجل) باغواء النساء ، كما اتهموا النساء بالتظاهر بالمرض ليحظين بالخلوة مع (اغنوديس) الامر الذي قاد اغنوديس أخيرا للمثول امام العدالة لتصم اذنيها سيول الاتهامات من الرجال الذين لم يتأنوا في كيل التهم جزافا ، فما كان منها الا ان خلعت ردائها الرجالي ثانية في قاعة المحكمة مثبتة هويتها الانثوية ، واذ اسقط في يد الرجال ، بدأوا نوعا اخر من الاتهامات وهذه المرة لكونها خالفت القانون بتعلم الطب المحرم على النساء.
وبين هرج و مرج سادا قاعة المحكمة دخلت نساء القادة الاغريق ليعلن بصوت واضح لا لبس فيه قائلات : ( ايها الرجال،لستم ازواجا بل اعداء اذ تدينون من وهبت لنا الصحة والحياة بفنها الذي حذقت فيه ، وتكيلون لها تهما هي منها براء) ، كان الصوت من الوضوح والحسم بمقدار ، مما دفع رجالات المجتمع وقادته للتشاور ومن ثم الخروج بقرار تعديل القوانين بما يسمح للنساء بتعلم وممارسة الفن الطبي
.
الحلقة الثانية-
(إليزابيث بلا كويل)
في أواسط القرن التاسع عشر لم يكن الحال في الغرب كما هو عليه الآن، ففي أمريكا مثلا لم تحظ النساء بحق الترشيح أو حتى الاقتراع ، كما لم يكن مألوفا أن ترتاد النساء المعاهد والجامعات ، بل لم تكن الأعراف الاجتماعية تبيح لهن حتى ممارسة أي مهنة خارج المنزل ، ناهيك عن وصمهن بأنهن الأقل ذكاء ، والأضعف جسديا ، والأشد حساسية من الرجال.
ولم تكن الأمور في الحقل الطبي بمختلفة عنها في حقول الحياة الأخرى ، بل إن ما كانت تقذف به النساء من ضحالة الفهم، والضعف الجسدي ، والحساسية المفرطة كان حائلا دون دخولهن معترك العلوم والمهن الطبية، وظل الأمر كذلك حتى غيرت فتاة أمريكية شابة وجه التاريخ.
ففي العام 1848 ، وفي مدينة نيويورك تقدمت فتاة تدعى (إليزابيث بلا كويل ) بأوراقها إلى كلية جنيف الطبية-فرع نيويورك ، الأمر الذي وضع إداريي الكلية المذكورة في حرج شديد ،فقبول الإناث لم يكن أمرا مألوفا ، كما أنهم لم يرغبوا بالمغامرة في رفض طلب للالتحاق لمجرد أن المتقدم به امرأة ، فارتأوا أن الخروج من المأزق يمر عبر طرح الموضوع على طلبة الكلية للتصويت. وكانت لعبة القدر بالنسبة لايليزابيث أن ظن الطلبة أن الأمر لا يعدوا كونه نكتة من إحدى الكليات المنافسة لكليتهم فأجمعت أصواتهم على قبول الطلب.
وانصهرت إليزابيث في بوتقة الدراسة الطبية الصعبة يحدوها ذكاؤها المتقد ، وإرادتها الصلبة ، وقوة الروح التي بثت القوة في الجسد الأنثوي فاحتمل الجلوس لساعات طوال في قاعات المحاضرات ، وامتدت الأنامل الرقيقة الناعمة إلى المشرط التشريحي دون خوف أو ارتعاش لتشارك في تشريح جثة رجل ، مجسدة عملا تلك العبارة اللاتينية المنقوشة على جدران قاعات التشريح في ألازمان الغابرة : ( هنا..يعلم الأموات الاحياءً ماهية الحياة) ، الأمر الذي يعد في غاية الفظاظة بالنسبة لفتاة في ذلك الزمن بما اصطبغ به من أعراف وتقاليد.
وتدنو اللحظة التي انتظرتها (إليزابيث ) طويلا ، وفي اليوم الموعود يصطف الخريجون لتلقي شهاداتهم الجامعية ، تتقدمهم (إليزابيث) الأولى على دفعتها، ليتحدث عريف الحفل طويلا عن إنجازاتها و تميز أدائها كطالبة في كلية الطب ، ولكن..دون أن يذكر اسمها ولو لمرة واحدة ، وكان اسمها الأنثوي عورة لا ينبغي أن تكشف على الملأ.
ومدفوعة بعشق صوفي للمجد الإنساني حزمت (إليزابيث) حقائبها إلى (باريس)لتتلقى تدريبها الإكلينيكي في مجال طب النساء والولادة ، عائدة إلى الولايات المتحدة لخدمة بنات وطنها بما حبيت به من علم وخبرة.
وكانت الصدمة أنها لم تستطع الحصول على مهنة في مشافي ومستوصفات أمريكا لا لشيء إلا لجنسها الأنثوي . ولكن هيهات لمن اعتادت على شحذ إرادتها أن تستسلم أو ترضخ لغياهب الإحباط ، فكان أن شكلت مع زميلتين لها أول مستشفى للنساء والأطفال يدار بشكل كامل من قبل طاقم أنثوي، ويعنى بشكل كامل كذلك بصحة النساء والأطفال ، فلطالما أمنت (إليزابيث ) أن رقة المرأة، وطبيعتها الودودة ، وغريزتها الامومية كفيلة بان تجعل منها طبيبة بالفطرة
ولم تكن تلك المرأة الظاهرة لتضيع وقتها عبثا ، فقد دأبت على كتابة المحاضرات أثناء انتظارها للمرضى مع زميلتيها ، حيث كتبت عن أهمية التعقيم في الوقاية من المرض ، ودور التغذية والتريض في تقوية مناعة الإنسان في مواجهة الأمراض واثر هما البالغ في التسريع بالشفاء بعد حدوث المرض، بل وسبقت زمانها عندما تحدثت وقتذاك عن تضافر التعليم والقانون لخلق مجتمع صحي، و صدحت في إحدى محاضراتها قائلة : ( إن صحة الشعب هي أهم ما تهتم به أي حكومة حكيمة)، ثم توجت أعمالها بافتتاح كلية طب الإناث عام 1860م التي اختصت بتعليم المهنة الطبية للطالبات ، والتي أغلقت بعد 33 عاما من افتتاحها عندما بدأت المعاهد الطبية بقبول الإناث. غير أن الكلية المذكورة تركت بصمة جلية في التاريخ الطبي عندما جعلت تدريس علم الصحة والنظافة شقا أساسيا من الخطة الدراسية ليتطور في ما بعد كقسم مستقل من الكلية الطبية
ومن المحطات البارزة في حياة (إليزابيث بلا كويل ) عملها مع الممرضة ذائعة الصيت ( فلورنس ناينتنجيل) أثناء الحرب الأهلية في اختيار وتدريب الممرضات لممارسة دورهن في إسعاف الجرحى ن حيث عملتا معا على تأسيس الوكالة الأمريكية للعناية الصحية عام 1861 ، تلك المنظمة التي عملت على تحسين الظروف الصحية في المشافي العسكرية وفرض أنظمة غذائية وصحية أفضل للجنود .
تلك هي (إليزابيث بلا كويل) أول خريجة أنثى من المعاهد الطبية الأمريكية، وأول مؤسس لمشفى خاص بصحة المرأة ، وأول من شيد كلية طبية للإناث..لقد تفتقت أرحام الحياة بعدها عن طبيبات كثر في تلك البلاد غير أنها على صفحات سفر التاريخ الطبي تظل الأولى.
إليزابيث غاريت أندرسن
الطبيبة العمدة..وأولى طبيبات بريطانيا
تحدثنا في الحلقة السابقة عن( إليزابيث بلاكويل) من الولايات المتحدة الأمريكية ، واليوم سنتحدث عن (إليزابيث )أخرى في مكانٍ آخر من العالم ، وعلى أطراف أوروبا في الجزر البريطانية حيث ولدت (إليزابيث غاريت أندرسن ) في رحاب عائلة كبيرة تضم عشرة أفراد من كلا الجنسين ، يعيلها رجل أعمال وسياسي راديكالي هو والد (إليزابيث)، التي ولدت عام 1836.
بدأت ميولها الطبية تتململ في ذاتها عندما استمعت لمحاضرة ألقتها الطبيبة الأمريكية سالفة الذكر (إليزابيث بلاكويل) بعنوان ( ألطب كمهنة للنساء) ، غير أن ميولها الطبية اصطدمت في البداية بمعارضة أبيها ، الذي تمكنت فيما بعد من إقناعه بوجهة نظرها بلباقة ، بل وكسبته إلى جانبها لتلتحق بداية بالتدريب الطبي كممرضة جراحية ،حيث كانت الأنثى الوحيدة في الصف الدراسي ، محظورٌ عليها المشاركة الكاملة في غرفة العمليات..حرماناً شحذ فيها التحدي لتحوز المرتبة الأولى في صفها ، الأمر الذي فجر حسد زملائها الذين قاموا بمقاطعتها ، ومن ثمَّ حرمانها من المحاضرات.
ثم تقدمت بعدذاك بأوراقها إلى عدة كليات طبية إلا أن طلبها كان يواجه دائماً بالرفض ، لا لشيء إلا لكونها أنثى ثم قبلت بعد طول عناء للدراسة الخاصة في مجال الصيدلة ، وتحتم عليها بعدذاك أن تكافح من أجل الحصول على رخصة العمل الصيدلاني حيث رتبت (جمعية الصيادلة) أمورها بحيث يعاق دخول الإناث إليها .
وبعد صراع مرير حصلت على رخصة مزاولة المهنة لتقوم بافتتاح مستوصف للأطفال والنساء في لندن عام 1866 والذي أصبح بعد ذلك بأربع سنوات (المستشفى الجديد للنساء والأطفال) كمشفى وحيد في بريطانيا يقدم المساقات الدراسية الطبية للنساء.
وكانت (إليزابيث )تتقن الفرنسية ، الأمر الذي مكنها من التسجيل لدرجة طبية في جامعة السور بون بباريس عام 1870، وأصبحت في العام نفسه أول امرأة تتبوأ منصبا طبيا في بريطانيا. وفي العام المذكور كذلك رشحت نفسها مع امرأة أخرى هي (إميلي دافيس) لانتخابات مجلس مدارس لندن لتحصد العدد الأكبر من الأصوات ، بعد مضي فترة وجيزة من قبول المجلس المذكور لعضوية الإناث.
تزوجت عام 1871 من التاجر (جيمس سكيلتون أندرسن) وأنجبت منه طفلين. لتصبح ابنتها فيما بعد طبيبة وناشطة في الدفاع عن حقوق النساء مواصلة درب امها.
وقد خاضت (اليزابيث) جدلا طبيا واسعا عام 1870 ، وعارضت المدعين بأن انغماس النساء في التعليم العالي يحد من كفاءة الإخصاب لديهن، أو أن الدورة الشهرية تجعل من المرأة ضعيفة ضعفا لا يؤهلها لتحمل أعباء التعليم العالي. كما وأثبت أن ممارسة الرياضة تؤثر ايجابيا على جسد وعقل المرأة كما هو الحال عند الذكور.
وقد أثمر كفاح (إليزابيث) أخيرا بانضمامها عام 1873ا لنقابة الأطباء البريطانيين لتكون العضو الأنثوي الوحيد فيه لمدة 19 عاما ، ليتلو ذلك تعيينها كمحاضرة (كلية لندن الطبية للنساء ) عام 1874 ،الكلية التي شغلت إليزابيث أندرسن) عمادتها ً لمدة عشرين عاما.
وفي عام1893 ساهمت (اليزابيث أندرسن ) في تأسيس كلية( جون هوبكينز) الطبية ، مع نساء أخريات اشترطن جميعا قبول الإناث فيه مقابل المساهمة في تمويله.
كما ونشطت (إليزابيث) سياسيا للمطالبة بحق الاقتراع للنساء ، كما وتم انتخابها عمدة ً ل(ألديبورغ) في عام
1908. لتفارق الحياة عام 1917 بعد صراعٍ مرير دفاعا ً عن حقوق المرأة في الحقلين الطبي والسياسي تاركةً بصمتها بوضوح ٍ في سفر التاريخ الطبي كأول طبيبة أنثى مسجلة في بريطانيا العظمى.
وتخليداً لذكراها فقد تم تسمية المستشفى الجديد باسم مستشفى (إليزابيث غاريت) عام 1918،والذي هو اليوم جزء من جامعة لندن
فيرجينيا أبغار
سنتحدث في هذه الحلقة عن طبيبة مميزة ، لا يزال اسمها مرتبطا باسم إحدى أهم الفحوصات والمقاييس السريرية في طب الأطفال حديثي الولادة..المرأة التي ساعدت في توليد 15000 حالة ولادة ، وكانت رائدة في حقل التعليم الأكاديمي ، إضافة إلى كونها باحثة علمية سريرية ، ومتبرعة سخية ، ومعلمة فاضلة.
ولدت في (ويستفيلد)-ولاية نيوجرسي ، حيث ولدت لأبٍ موسيقي لامع ، وورثت منه العزف على الكمان والأدوات الموسيقي الأخرى مبلورةً موهبة موسيقية صاعدة .
تخرجت فيرجينيا أبغار في العام 1929 من كلية (ماونت هوليوك) حيث درست علوم الحيوان ، وبعد أن كافحت أثناء دراستها للإنفاق على نفسها بنفسها ، حيث عملت تارة في مكتبة وتارة نادلة في مطعم ، دون أن تنسى موهبتها الموسيقية حيث واصلت العزف في ضمن أوركستر ، وحصلت على شهادة رياضية ، إضافة إلى كتابتها لبحثٍ متميز للكلية.
وفي العام 1933 تخرجت الرابعة على دفعتها من كلية الطب والجراحة التابعة لجامعة كولومبيا ، ولتصبح خامس امرأة تبدأ تخصصا في الجراحة في المشفى الكولومبي في نيويورك عام 1935.وفي نهاية الدورة اكتشفت أبغار أن فرص الجراح المرأة ضئيلة للغاية ، ناهيك عن أن القلة من الرجال الذين تبوأوا مقامات رفيعة في هذا الحقل كانوا متحيزين ضد المرأة، فانتقلت إلى حقلٍ جديدٍ نسبيا آنذاك في التخصصات الطبية حيث بدأت التخصص في مجال التخدير خلال العامين 1935-1937م في جامعة كولومبيا الكهنوتية أيضا، إضافة إلى جامعة ويسكونسين ، ومستشفى بيليفيو- والتي تقع جميعا في نيويورك- لتصبح خامس طبيب أمريكي يتخرج كأخصائي تخدير في العام 1937.
وفي العام 1938 ذاع صيتها عندما تولت رئاسة قسم التخدير في مركز كولومبيا الطبي الكهنوتي في نيويورك ، ولتكون بذلك أول امرأة ترأس قسما في تلك المؤسسة.
وقد حاضرت فرجينيا أبغار في السنوات العشر من 1949-1959 م. في كلية الطب والجراحة في جامعة كولومبية لتكون أول بروفيسور أنثى برتبة (الأستاذية الكاملة) في ذلك المعهد، وأول بروفيسور بنفس الرتبة في مجال التخدير على الإطلاق.
وفي العام 1949 طورت فرجينيا أبغار ما عرف فيما بعد-وليومنا الحالي- ب(نظام سجل نقاط أبغار) واسع التطبيق في مستشفيات التوليد ، وهو نظام تقييمي لحالة المولود يعتمد على مراقبة خمسة ظواهر حيوية هي:
*لون الجلد
*النبض (سرعة دقات القلب)
*ردة فعل الوليد للمؤثرات الخارجية.
* انقباض العضلات
*التنفس.
وقد كان الإنتباه مركزا في غرف الولادة على الأم دون الوليد قبل أن تقوم (أبغار) باكتشاف نظام سجل النقاط هذا ، ولم يكن الوليد ليحظى بالمراقبة اللازمة إلا بعد دخوله في حالة من ما يعرف بالعسر التنفسي ، وبذلك اتاحت المجال للتقييم الأولي لحالة المولود مما فتح آفاقا واسعة لاتخاذ التدابير الطبية اللازمة لانقاذ الطفل قبل دخوله في حالة العسر التنفسي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض حاد في نسبة وفيات المواليد، كما ودق جرس الإنذار لبعض الممارسات التخديرية الخاطئة أثناء الولادة مما أدى إلى الإقلاع عنها مثل مادة (سيكلوبروبان).
وفي العام 1959 غادرت (أبغار) كولومبيا إلى جون هوبكينز لتحصل على شهادة الدكتوراة في الصحة العامة ، ولتقرر تغيير مهنتها فترأس قسم التشوهات الخلقية في إحدى الجمعيات الوطنية ، ولتساعد على إعادة لفت الأنظار إلى دور شلل الأطفال في التسبب بالتشوهات الخلقية ، ولتستمر في عملها ذاك ثمان سنوات ، لتصبح فيما بعد ولثلاث سنوات 1967-1972 م. مديرة الأبحاث الأساسية للجمعية الوطنية ، حيث لم يقتصر دورها على الإدارة كما يتبادر للذهن لأول وهلة بل وعلى المحاضرة والتثقيف الصحي العام.
كما وكانت في الأعوام 1965-1971 كذلك عضوا في مجلس أمناء جامعة ماونت هوليوك ، إضافة إلى عملها كمحاضرة في نفس الفترة في جامعة (كورنيل) كأول بروفيسور يتخصص في مجال تشوهات الولادة.
وفي العام 1972 نشرت أبغار كتابها: (هل طفلي بخير) والذي أصبح مرجعا هاما للوالدين .وهنا شاركها الجهد في التأليف (جوان بيك).
وفي العام 1973 حاضرت ابغار في جامعة جون هيبكنز ، وفي العامين 1973-1974 أصبحت النائب الأول لرئيس الشؤون الطبية في الجمعية الوطنية.
وفي العام 1974 وفي مدينة نيويورك لفظت ابغار أنفاسها الأخيرة مغادرة هذا العالم بعد حياة حافلة بالإنجازات ، لم تتزوج خلالها قط مرددة عبارة الشهيرة: (لم اجد رجلا يتقن الطهي)..كانت شخصية شاملة بامتياز: فعدا عن ارتقائها في السلم الطبي برعت في الموسيقى ، وصناعة الآلات الموسيقية ، كما ومارست صيد الأسماك كهواية ، وكذلك التصوير الضوئي والبستنة والغولف.
وقد حصدت في حياتها جملة من الجوائز منها:
*أربع درجات شرف بين الأعوام: 1964-1967
*ميدالية رالف ويلدرز- من الجمعية الأمريكية للتخدير.
* ميدالية جامعة كولومبيا الذهبية.
* لقب امرأة العام وذلك في العام 1973.
* جائزة الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال.
د.ماري ووكر
الطبيبة الجراحة -الجاسوسة- أسيرة الحرب- والمتمردة على المألوف
ترجمة: د.عبدالرحمن أقرع
نتحدث اليوم عن طبيبة أمريكية شاركت في الحرب الأهلية بين ولايات الشمال والجنوب كطبيبة ، وحازت على وسام الشرف من الكونغرس الأمريكي عام 1865، بيد أن هذا الوسام قد نزع منها عام 1917.
ولم ينزع الوسام عنها وحدها ، بل ضمن 900 شخصٍ آخرٍ حظوا به، وقد ظن البعض أن نزع الوسام كان عقابا لها لكونها من النساء المؤيدات لحق الإقتراع.
فيما رفض آخرون تصديق ذلك لوجود 909 أوسمة منزوعة عن رجال أيضاً.
بيد أن السبب الحقيقي هو : الرغبة في زيادة الإعتبار للوسام.
ومهما كان السبب فالحقيقة أنها رفضت نزع الوسام وظلت ترتديه إلى أن أسلمت الروح إلى بارئها عام 1919، ليعاد إليها بعد موتها ب 58 عاماً على يد الرئيس كارتر عام 1977.
هي المرأة الوحيدة في الحرب الأهلية وفي كل الحروب في أمريكا التي منحت وسام الكونغرس .
وكانت مثيرة للجدل في كل شيءٍ حتى في زيها ، فقد أضافت البنطال إلى الزي وارتدته تحت تنورتها ، كما وارتدت بزة رجولية وحملت مسدسين في آنٍ واحد.ولم تكن مهنتها العسكرية بعسكريةٍ بالمعنى الكامل لأنها لم تُفَوَّض يوماً، وكانت ترفض التفويضات كجراحٍ في الجيش ، ولكنها عملت متطوعة في مستشفى واشنطن ، كجراحة في الميدان عملت كذلك على جانب خطوط النار لعامين ، ثم عملت جراحاً مساعداً لأربع سنواتٍ أخرى في مشاة أوهايو ، وبعد ذلك دخلت السجن لشهورٍ أربعة كأسيرة حرب ، وبعد تحريرها عادت إلى المشاة كجراحٍ متعاقد ، بيد أنها أنهت بقيت فترة الحرب كجرحٍ في سجن لويسفيل للنساء ، وفي ملجأ أيتامٍ في تينيسي .
وقد تبين فيما بعد أنها وأثناء عملها في المشاة عملت أيضاً جاسوسة مستغلةً تنقلها بين المدنيين لعلاجِ المرضى والجياع.
د. ماري ولكر (1832-1919) المرأة التي لم تتأقلم مع واقعها ، وظلت أثناء ممارستها للطب في أواخر أيامها تتوق لنزعاتِ الصبا فترتدي بنطال الرجال ومعاطفهم وقبعاتهم .
الطبيبة الجراحة الشابة ذات الروح الوطنية العالية التي قاتلت لتنقذ الأرواح ، ولنزع الإعتراف ، وتناقضت مع قيم مجتمعها آنذاك ، وتركت الحرب ندبها فيها بدنيا وعاطفيا، ولكنها واصلت الكفاح بعد الحرب من اجل انتزاع حقوق النساء لسنواتٍ طوال ، فماتت وحيدة مفلسة ، ولم يتذكر أحد خدماتها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق