تاريخ الطب في الحضارات القديمة




الطب في الحضارات الانسانية القديمة

بقلم: د.عبدالرحمن أقرع
الطب عند الصينيين

منذ بدأ التاريخ البشري المكتوب ظهرت في اللغة الصينية القديمة مصطلحات مثل طبيب (يي)،و طب (ياو) في العام 2500 ق.م . وخطت وقتذاك العديد من المخطوطات الطبية النادرة التي لم تحظ بالبقاء عبر تتالي الازمان انما يدل عليها احدث ما وصلنا من المخطوطات في العلاج بالاعشاب والابر الصينية ما يوحي ان مرحلة طويلة من التطور قد سبقت كتابة تلك المخطوطات.
وكما هو حال التاريخ لدى الأمم الأخرى كذلك هو تاريخ الطب عند الصينيين حيث يقسم الى مرحلتين: مرحلة ما قبل التدوين ، ومرحلة التدوين، ومن ثم فان تاريخ الطبالصيني يمتد الى 5000 عام قبيل بدء التدوين.
وبعيداً عن التدوين فان تاريخ الطب عند الصينيين القدماء يحتتوي على الأساطير أكثر مما يحتوي على الحقائق العلمية.بيد أننا مضطرين لتتبع هذه الأساطير في محاولة فك طلاسم تلك الفترة الغامضة من التاريخ الانساني عموماً ، والتاريخ الطبي على وجه الخصوص.
تشير الأساطير الصينية أن الامبراطور الأسطوري ( فو زي Fu Xi ) هو أول من صاغ الأحرف الأبجدية الصينية ، وأول من اخترع الابر الصينية ، فصاغ ثمانية أحرف ، وصنع تسع إبر صينية.
أما مؤسس طب الأعشاب الصيني فتنسب الأساطير ذلك الى الامبراطور الأسطوري ( شين نونج Shen Nong) الذي عاش في القرن الثاني والعشرون قبل الميلاد والذي يعرف بالمزارع السماوي ، والذي تقول الأساطير أنه أول من علم الناس الزراعة ، وأنه كان يجرب الأعشاب الطبية على نفسه بابتلاعها لدراسة خواصها وتأثيراتها عليه نفسه ، وتذهب الأساطير الى أبعد من ذلك فتقول أنه جرب مئات الأعشاب بما فيها 70 عشبة سامة في يومٍ واحد.
وقد وجدت مخطوطات على العظم في العام1500 ق.م واخرى على الحرير في القرن الثالث ق.م تشمل وصفا لما لا يقل عن 250 مادة طبيعية وتاثيراتها العلاجية.بيد أن أول مرجع طبي مخطوط ، ويدعى ( القانون الامبراطوري الأصفر للأمراض الباطنية) فيختلف العلماء والمؤرخين في تاريخ كتابته الا أنهم يجمعون على كتابته بين القرنين الثامن والثالث قبل الميلاد.
تاريخ الطب الصيني
ويعتبر الكتاب المذكور أقدم مرجع طبي في العالم بحق ، وقد لخص وفهرس النظريات الأولية للطب الصيني كالنظرية الزوالية ( meridian theory) بالاضافة الى مواضيع أخرى كعلم وظائف الأعضاء ، وعلم الأمراض ، وفنون الوقاية ، والتشخيص ، والعلاج ، والعلاج بالابر الصينية ، والكي ، وغيرها.

وفي عهد أسرة تشو الملكية تمت أبرز الاكتشافات الطبية كالتأسيس النظري لليين واليانج (yin and yang)، والعناصر الخمسة ، والدور الممرض لعناصر البيئة الخارجية ، وتوضيح النظرية الزوالية ، واستبدال الابر الصينية الحجرية بأخرى معدنية بما فيها الذهبية والفضية.
تاريخ الطب الصيني
بيد أن أبرز الاكتشافات في العهد المذكور هو اكتشاف النبض واستخدامه في التشخيص لأول مرة في العالم على يد الطبيب الصيني الشهير ( بيان قو) المتوفى عام 500 ق.م والذي اشتهر بقدرة ممتازة على التشخيص ،وقياس النبض ، والعلاج بالإبر الصينية. ومن الطرائف انه سمع يوما بوفاة ولي عهد ولاية (غو) فحزن حزنا شديدا وذهب الى القصر لعلاجه بعد أن عجز عن ذلك طبيب القصر ، فوجدهم يجهزون ولي العهد للدفن ، وبرغم ذلك أصر على فحص الأمير ، ومن خلال الفحص تبين أنه كان غارقاً في غيبوبة عميقة وليس ميتاً ، فقام بانعاشه باستخدام الابر الصينية ثم عالجه باستخدام كمادات مغموسة بخلاصة الأعشاب ولم تمضِ ساعات على زيارة بيان قو حتى أصبح الأمير قادراً على الوقوف على قدميه ثم اوصى له بأعشابٍ تغلى ويأخذها لمدة عشرين يوماً ، فذاع صيته كطبيب يشفي الموتى، ومنذ ذاك الحادث أصبح (بيان قو) شخصية طبية يحمل قداسة الالهة في عيون الناس، مما دفع حاسديه من اطباء الامبراطور الى التامر على قتله ، فنال بعد موته اسم (بيان قو) والتي تعني في الصينية (الطبيب الروحاني) وذلك لبراعته الفائقة في الطب، اما اسمه الاصلي فهو (تاي يورين).
ومن الأطباء الصينيين العظام كذلك(تسانغ تونغ) الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد والذي امتاز بتسجيله للحالات المريضية ومن ثم التنبؤ بمصير الحالة بناء على المعطيات السريرية، فكان رائدا لفن طبي اندثر ليمارس من جديد في القرن العشرين.

من الأسماء اللامعة كذلك في الطب الصيني الطبيب تشانغ تشوغ جينغ ( 150-219 م) والذي يعتبر أكثر أطباء الأعشاب الصينيين شهرةً في عهد أشرة هان الشرقية ، وذلك لبراعته الطبية البارزة آنذاك والذي ألف كتاباً بعنوان ( أطروحة حول أمراض الحمى) والذي لا تزال نظرياته ووصفاته ذات قيمة عالية في الممارسة الطبية، ولا يزال يستخدم حتى الآن كمرجع مهم في الطب الشعبي الصيني بما يشمل الكي والأبر الصينية والأعشاب.تشانغ تشوغ جينغ 

أما أشهر الجراحين والأطباء الصينيين في الفترة المذكورة فهو ( هوا تو) -110-م207-، والذي قام قام بتطوير التخدير ، ووسع المعرفة الصينية المحدودة في علم التشريح ، كما ويعتبر أول طبيب يستخدم الأدوية المخدرة في العالم .
كما وطور هوا تو ما عرف بألعاب الحيوانات الخمسة ، وهي عبارة عن تمارين رياضية يقلد فيها المريض حركة خمسة حيوانات هي : النمر ، والغزال، والدب ، والقرد ، والطائر، حيث جسد بذلك نظريته القائلة أن الحركة مهمة للصحة ، وأنه بتقليد حركة الحيوانات فانه يتم تمرين كافة أعضاء الجسم ومن ثم ستنشط حركة السوائل وتنشط الطاقة في الجسم.

هوا تو
* كتابان مهمان :
في عهد أسرة (سوي) قام الطبيب ( تشاو يوان فانغ) مع آخرين بتأليف كتاب ( الأطروحة العامة في أسباب وأعراض المرض) ، وجاء الكتاب في 50 مجلد شملت 67 تصنيفاً ، وشملت قوائم بـ 1700 متتلازمة مرضية. وكان لهذا الكتاب أثره في تطوير الطب والعلوم الطبية حيث قدم شروحاً جليلة في علم الأمراض وأعراض وعلامات مختلف الأمراض ، والجراحة ، وطب النساء والولادة ، وطب الأطفال.

تشاو يوان فانغ
وفي العام 725 للميلاد ، قام عالم الطب الصيني المعروف وانغ تاو باصدار كتابه ( الأسرار الطبية للمسؤول) ، فجاء كتابه في 40 مجلداً شملت 1104 تصنيفاً وشرحاً لأكثر من 6000 وصفة طبية عشبية.

عهد أسرة تانغ
يعتبر عهد ( تانغ) العصر الذهبي الثاني في التاريخ الصيني ، ففيه افتتحت أول مدرسة طبية صينية ، وقد نذر أشهر الأطباء الصينيين في عهد تانغ ، الطبيب (سون سيمياو)- 581-682 م حياته للطب من مرحلة مبكرة من حياته ، ففي الخامسة عشرة من عمره ألم بالطاوية والبوذية على اختلاف جماعاتها ، وأحاط خبراً بالطب التقليدي الصينية احاطة واسعة حتى أنه توج في العشرين من عمره كملك طب الأعشاب الصيني .

(سون سيمياو)
في عهد جنكيز خان:
وفي عهد يوان رضخت الصين لحكم الامبراطور المنغولي العظيم ( جنكيز خان) فأصبح الطب الصيني في هذا العهد أكثر تخصصاً ـ وأصبحت المعرفة بالابر الصينية أكثر تفصيلاً .
وقد استردت الصين استقلالها من الامبراطورية المنغولية عام 1368 م في عهد أسرة منغ ، وبرز في هذه الفترة الطبيب لي شيجن (1518-1539)، والذي يعتبر من أعظم الأطباء والصيادلة الصينيين ، وأبرز اسهاماته الطبية عكوفه على تأليف كتابه الشهير ( خلاصة المادة الطبية) لمدة 40 عاماً ، فقد احتوى الكتاب على 1900000 كلمة صينية ووصفاً لأكثر من 1800 دواء و1100 رسماً توضيحياً ، و11000 وصفة طبية ، وسجلاً لـِ 1094 عشبة طبية واصفاً أنواعها وأشكالها وطعم كل منها وطبيعتها ، واستخدامها في العلاج بالتفصيل.
ويعتبر هذا الكتاب أكبر اسهام في تطور علم الدواء في الصين والعالم بأسره ، وقد تمت ترجمة الكتاب المذكور الى عدة لغات وظل مرجعاً أساسياً لطب الاعشاب حتى اليوم.

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها
(لي شيجن)


تاريخ الطب عند قدامى الهنود

بقلم : د.عبدالرحمن أقرع

من اعرق الحضارات الهندية القديمة التي تم اكتشاف اثارها في القرنين الاخيرين هي تلك التي وجدت على ضفاف الانهار لا سيما حضارة نهر الهندوس، وحضارة نهر (غاجار-هاكرا ) في باكستان والشمال الغربي للهند.
تاريخ الطب الهندي القديم
خريطة توضح موقع حضارة نهر الهندوس العظيم
ولعل من ابرز الكشوفات المتعلقة بالطب هي تلك التي حدثت عام 2001 م حيث كشف علماء الاثار بقايا رجلين عاشا في مدينة (مهرجار) وقام علماء الاثار والسلالات بفحصهما بعناية ليتبين لهما اثار حفر في الاسنان باستخدام مقدح صواني الامر الذي يعكس مستوى مرموقا في طب الاسنان لدى اهل الحضارة المذكورة.
قد يبدو ذلك غريبا للوهلة الاولى ، او مثيرا للدهشة غير ان من يطلع على التراث الطبي للحضارة المذكورة يدرك المستوى الجيد الذي كانت عليه في مجال الطبوالتداوي ،والتي وصلتنا من خلال المرجع الطبي الهندي المرموق (ايورفيدا) والذي يعني (علم الحياة) والذي تم تطويره باستمرار على مدى الاف السنين من قبل ارباب الهند القدماء والذي يلخص الصحة كانسجام وتناسق بين الجسد والروح والعقل.
وقبل الحديث عن الأيورفيدا ينبغي الاشارة الى أول نص هندي ذي علاقة بالطب هو ( آثارفا فيدا) ، والذي يرجع الى العصر الحديدي الأول ، ويعتبر سبب المرض عائداً الى تأثير الأرواح الشريرة ، ويلخص العلاج في قتل الروح الشريرة بسمٍ خاصٍ بها ، فمثلاً كانوا يعالجون الجذام بنبات الأشنة الذي يشبه تأثيره تأثير المضادات الحيوية ، كما كانوا يعالجون سم الأفاعي بتلاوة الرقى والتعاويذ.
ويعد (علم الحياة) من اقدم النصوص المستمدة من مدرسة (شاراكا) الذي يعتبر الحياة خاضعة للجهد الانساني وقابلة للاطالة ، ومدرسة (سوشروتا) الذي عرف اهدافالطب بعلاج للمرض، حفظ للصحة، واطالة للحياة.واصبح فيما بعد مدرسة طبية عريقة. ولا سيما في عهدطبيب الاعشاب الشهير (ناغارجونا) احد اتباع (بوذا) في القرن السادس قبل الميلاد.
ويضم (علم الحياة) اقساما ثمانية:الامراض الباطنية ،الجراحة والتشريح ، الانف والاذن والحنجرة،طبالأطفال، الطب النفسي ،علم السموم ، الانجاب، والنقاهة.
وقد توجب على من تتلمذ على هذا الكتاب اتقان فنون عشرةلا غنى عنها لمن اراد ان يحذق الفن الطبي بما يشمل من تحضير وتقديم للدواء ، وهي: التقطير،المهارات الجراحية،الطبخ،البستنة،علم المعادن، انتاج السكر،الصيدلة،تحليل و فصل المعادن و تجميع الفلزات،وتحضير القلويات.
وكانت دراسة المساقات الأساسية تتم أثناء دراسة المساقات السريرية ، فمثلا كانت دراسة التشريح تتم كجزء من دراسة الجراحة، ودراسة علم الاجنة كان يتم اثناء التدرب على طب النساء والاطفال، وكذلك علم الامراض و علم وظائف الاعضاء كان يتم بالتزامن مع العلوم السريرية الاخرى.
وقد اهتموا بعلم الاخلاق الطبي ، حيث كان طلبة الطب يتلقون دروسا من المحاضرين الروحيين (غورو) لتعليمهم حياة العفة والنظافة والنمط النباتي في الغذائي ، وكان طالب الطب يحث على منح ذاته كلها لخير المريض ، وان لا يخدع المريض من اجل مصلحته الخاصة ،وان يبتعد عن تعاطي المشروبات الثقيلة، كذلك ان يتعلم السلوك المتواضع والدقة والنظام وان يحصي كلامه في كل الاوقات.وان يطور علومه ومهاراته باستمرار . وان يكون دمثا و متواضعا في بيت المريض عند زيارته وان يحرص جل انتباهه في عافية المريض وان لا يفشي اسرار مرضاه ، وان يكتم عن المريض وعائلته اذا كان مرضه عضالا لا يمكن الشفاء منه.
والطريف في الامر ان دراسة الطب كانت تمتد لسنين سبع تختتم بامتحان يتلوه التخرج على ان يواصل الاطباء قراءة النصوص الطبية و حضور المؤتمرات والتمرن على الملاحظة والاستنتاج وتعلم خواص الادوية غير المألوفة من سكان التلال و قاطني الغابات و رجال القبائل.
ومن أشهر الأسماء الطبية الهندية (سوشروتا) صاحب المدرسة التي أشرنا اليها ، والذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد وأصدر كتابه الشهير (سامهيتا) الذي فصل فيه بعض الاجراءات الجراحية كخلع الأسنان وتثبيت الكسور ، واستخدم النبيذ كوسيلة وحيدة للتخدير ، كما وشمل الكتاب وصفاً لـِ 1120 مرضاً ، و 760 وصفة طبية ، ووصف 20 أداة جراحية حادة كالمقصات والسكاكين والابر والمناشير ، و110 أخرى غير حادة كالملاقط والأنابيب والخطاطيف والروافع وغيرها.
ويعتبر سوشروتا أول جراح تجميل في العالم ، وذلك لقيامه بما عرف بعملية ( ترميم الأنف) ، وكان ذلك انجازاً جراحياً في زمنه لشيوع عملية جدع الأنف كعملية عقابية آنذاك.
أما الطبيب العَلَم الآخر ( شاراكا) فقد ظهر في القرن الثاني بعد الميلاد ، أي في ذات الحقبة التي بدأ أطباء العالم القديم يتحررون فيها من سيطرة مفهوم الأرواح الشريرة على الطب ، ويتجهون الى ما عرف بنظرية ( الأخلاط) ، واعتبروا أن المرض سببه اضطراب توازن الأخلاط ، بيد أن شاراكا تحدث عن ثلاثة أخلاط هي ( السائل الصفراوي ، والبلغم والريح ) بعكس الأطباء الاغريق الذين تحدثوا عن أربعة هي ( الدم والعصارة الصفراوية ، والليمفا ، والبلغم).
وكان شاراكا يعتبر الوقاية هي العلاج الأنجع ، وتحدث عن الجدري الذي انتشر في ربوع الامبراطورية الرومانية قادماً من الشرق .ويحسب للهنود قيامهم باختراع أول لقاح للجدري وذلك بأخذ القيح من المريض وحقن كمية قليلة منه في جلد السليم أو نقث غباره بعد أن يجف في منخريه.

الطب لدى حضارات الرافدين القديمة
بقلم: د.عبدالرحمن أقرع
يطلق اسم بلاد الرافدين على الأرض الخصبة الواقعة بجوار نهري دجلة والفرات ولا يرتبط لبحضارة بعينها ، اذ أن الكثير من الحضارات ازدهرت وانهارت لتزدهر مكانها أخرى عبر آلاف السنين من التاريخ. ويعود سر خصب تلك البلدان الى الفيضانات العنيفة للنهرين التي شجعت الزراعة ، بيد انها اقتضت جهوداً بشرية جبارة لسكان تلك البقعة من الارض لحماية النباتات الفتية ، ومن ثم لا عجب ان تكون اولى الحضارات قد نشأت هناك ويعتقد انها الحضارة السومرية.
ففي العام 3500 قبل الميلاد نمت حضارة السومريين وازدهرت فتحولت البلدات الى مدن ، وظهرت اولى اشكال الكتابة التصويرية ، كما وظهرت الأدوات المعدنية وبدأت المعابد تشيد .
ولكن ظهور الحضارة الحقيقية يعود الى العام 3100 قبل الميلاد مع ظهور الكتابة المسمارية التي شاع استخدامها في بلاد الرافدين لالفي عام بعد ذلك.
ورغم حفظ الكثير من اللوحات المسمارية الا انه - وللاسف- لم يصلنا الكثير من المتعلق منها بالطب ، فقد وصلتنا بعض اللوحات من مكتبة آخر ملوك الأشوريين ( أشوربانيبال) والتي وجدت في قصره في مدينة نينوى حيث أحرق القصر بواسطة الغزاة ، ولحسن الحظ فقد تسببت النار في نضج 20000 لوحة مسمارية وتم حفظها ، وقد وصلتنا في بداية العقد الثاني من القرن العشرين 660 لوحة طبية مسمارية منها بواسطة كامبيل ثومبسون.
وقد وجدت لوحات اخرى تحمل نصوصا طبية من غير قصر اشور بانيبال ، منها ما وجد في مكتبة الأطباء في أشور الجديدة وقد نشرت جميعها مؤخرا .
وقد ارتبط الطب لدى حضارات الرافدين القديمة بالالهة ، وذلك لامتيازها بالقدرة على شفاء المرضى والتسبب في المرض كذلك، من اجل ذلك كانت تقام الصلوات و تؤم المعابد طلبا للشفاء من المرض.كما كشفت بعض اللوحات المسمارية عن ربط اله معين بنوع محدد من المرض.ومن المعابد التي اشتهرت بذلك معبد (غولا).

الا انه اضافة لذلك مورس الطب كمهنة، حيث صنفت اللوحات المسمارية الى صنفين: لوحات تشخيصية واخرى علاجية. يشرح كلاهما تشخيص ومعالجة اصناف عدة من الامراض كأمراض النساءوالاطفال والامراض المعدية والامراض النفسية.
وكانت التقاليد الطبية تنص على تناوب طبيبن لعلاج المريض الواحد في العادة اولهما يدعى (اشيبو) تقتصر مهمته على تشخيص المرض و غالبا ما يتلخص ذلك في تحديد الروح او الاله المتسبب في المرض وقد يقزم بدوره في العلاج باستخدام التمائم والرقى ، وغالبا ما يتم التعبير بالقول ( يد الاله... ) للاشارة الى دور اله ما في احداث المرض. ثم يحال المريض الى طبيب ثان يدعى (اسو)و حيث يقوم بوصف العلاج الذي يشتمل غالبا على الاعشاب. وفي علاج الجروح يقوم (اسو) باجراءات مثل الغسل والتضميد وصناعة اللبخات ،التي ظهرت كمصطلحات في اقدم وثيقة طبية عام 2100 قبل الميلاد.

تاريخ الطب بلاد الرافدين
ومن اللوحات المسمارية المتخصصة في الطب تلك المعروفة ب (قانون التشخيص والتنبؤ الطبيين) التي تعود الى العام 1600 ق.م وتضم ما يقرب 400 لوحة مسمارية شملت خلاصة الاراء الطبية في الحقب السابقة الى تاريخ كتابتها.
وكانت مادة العلاج الاولى هي المادة العشبية وشملت مصطلحات تثير للوهلة الاولى الاشمئزاز في نفس القاريء مثل(براز البحارة) و (السحالي الحية)و (شحم الاسد) غير انها في الواقع كانت اسماء سرية لنباتات استخدمت في العلاج.
وقد مورست الجراحة كذك ، بيد ان اللوحات المسمارية التي تتحدث عن الجراحة هي ضئيلة نسبيا. تنحصر في لوحات اربع تتحدث احداها عن شق الصدر لاخراج الصديد من تجويف غشاء الجنب، والاخرى عن احداث شق في الرأس والثالثة عن كيفية العناية بالجرح بعد اجراء العملية، اما اللوحة الرابعة فكان يعتريها التهشم الامر الذي حال دون فك رموزها .
وكان علاج المرضى يتم في البيوت ، وكان الـ ( أشيبو) والـ ( آسو) يكشفان عن المرضى في البيوت ويقوم أفراد العائلة بمهام الرعاية الصحية بعدذلك ، كما وجدت بعض المنتجعات العلاجية الى جانب الانهار حيث كان يعتقد سكان الرافدين بقدرات شفائية للانهار لدورها في غسل الشرور 


الطب عند الاغريق
د.عبدالرحمن أقرع

ملاحظة هامة: حقوق النقل والطبع محفوظة للمؤلف..يمنع النقل دون إذن المؤلف!

عندما نتحدث عن حضارة الاغريق القديمة نجد لزاما ان نذكر انها كانت تضم بلاد اليونان الحالية واجزاء من مصر وتركيا والتي كانت مهدا لحضارة عريقة تركت بصمات واضحة في سفر المجد الانساني لا سيما الطبي.و يمتد عمر هذه الحضارة من 800ق.م-200 ب.م تدرج فيها الطب الاغريقي من الاساطير والغيبيات الى الملاحظة والتأويل المنطقي . وانتشرت معطياته لتشمل حوض المتوسط وتمتد شرقا الى الهند كما غربا الى اوروبا لتفرض ذاتها الى يومنا هذا.

والمؤسف ان اعمال الاطباء الاغريق قد فقدت بعد سقوط الحضارة الرومانية في القرن الخامس الميلادي ، ولعل من المفارقات ان اوروبا لم تهتدي الى ما تبقى من اعمالهم الا عبر ما استقوه من نبع الحضارة العربية وما وجدوه في مكتبات الاندلسيين بعد غروب شمسهم عن الاندلس ، او ما اطلعوا عليه من كتب عربية ترجمت تراث الاغريق مثل كتاب (شرح طب ابقراط) لابن النفيس الذي عرف الغرب ابقراط وتعاليمه من سطور الكتاب المذكور.وقد اطلعوا على هذه الكتب اثناء الحروب الصليبية وذلك في القرنين الرابع والخامس عشر الميلاديين.
وتتمثل الخطوة الحاسمة في حفظ التراث الاغريقي في اول طباعة له، وكان ذلك في ايطاليا بعد عام 1450 اي بعيد اختراع الطباعة حيث قام (الدو مانوزيز) بفهرسة وطباعة مؤلفات الاغريق بعد اختيار افضل المخطوطات المتوفرة انذاك.وتعد اولى المطبوعات عن ابقراط،ديوسكوريدس ،و مؤلفين اخرين التي دشنت مكانة الاغريق في تأريخ الحضارة الغربية.
وكما ذكرنا فقد بدأ الطب الاغريقي كغيره من حضارات الزمن القديم متأثراً بالغيبيات والأساطير ،وتضم الميثولوجيا الاغريقية العديد من الاساطير التي تتحدث عن العلاج والتداوي ،منها قيام كائن القنطور الخرافي (خيرون)-وهو كائن لا يفنى- باختراع دواء لعلاج جراح اصابه بها هرقل، ثم قام بتعليم فن العلاج ذاك ل(اسكليبيوس) والذي اصبح منبعا للمعرفة الطبية الاسطورية لدى الاغريق. كما وتتحدث الاساطير عن (خيرون) الذي كان معلما للبطل الاغريقي (اخيل) الذي يعد ملما بالمعرفة الطبية..كما جاء في الالياذة لهوميروس:
انقذني
خذني الى السفينة
وانزع هذا النبل من ساقي
واغسله بدافيء الماء
وضع عليه العشبة التي 
يقولون ان (اخيل) علمك اياها
كما تعلمها من (خيرون)
اطيب القنطورات

ومن الاسماء الطبية اللامعة في تلك الحقبة التاريخية هو (اسكليبيوس) الذي يعتبر اله العلاج عند الاغريق ، بينما تتحدث الاساطير عن كونه شخصية تاريخية برع وولداه في العلاج واصبح له تلامذة و مريدون نصبوه الها عندما تكاثروا ونما عددهم.وبنوا له المعابد في حوض المتوسط ليؤمها الحجيج الراغبون في الشفاء حيث يؤدون الصلوات و ينحرون القرابين تبركا باسكلوبيوس ليشفي علاتهم. ولا يزال شعاره يستخدم الى يومنا هذا كرمز طبي (افعى تلتف على صولجان اسكليبيوس) حيث كانت الافعى تعد ذات قدرة علاجية ومناعية.



تاريخ الطب الاغريقي


معبد اسكليبيوس


واقترنت اسماء بعض الالهة بالطب في الميثولوجيا الاغريقية مثل ابولو الذي تحدثت عنه الالياذة كجالب ومانع للطاعون ، وكانت الالهة (هيرا) وابنتها (ايليثيا) حافظات للنساء،كما اقترن اسم (ايثيليا بالولادة حيث تظهر في احدى اللوحات القديمة وهي تقوم بتوليد (اثينا) من رأس كبير الالهة (زيوس) . اما الالهة (هيجيا) ابنة (اسكليبيوس) فكانت مجسدة للصحة ومنها اشتقت كلمة صحة (هيجيا) في الاغريقية.




تاريخ الطب الاغريقي


الالهة تولد اثينا من رأس زيوس

بدأ الطب الاغريقي ينتقل من مرحلة الاساطير بالتدريج الى حقبة واقعية على يدي (ابقراط) الذي دعى باب الطب ، الذي عاش في جزيرة (قوس) في المتوسط في القرن الخامس قبل الميلادي ، وامتاز بابحاثه وافكاره الطبية التي خلت من ذكر الصلوات والالهة والقرابين حيث استبدلها بالحديث عن الحمية والادوية النافعة والحفاظ على الجسم في وضع التوازن ، وجعل من مراقبة وضع الجسم اساسا لمعرفته الطبية .
ومن العوامل التي ادت الى انتشار صيت ابقراط هو قيامه بمعالجة عدد من الملوك من أمم مختلفة .
ومن ابتكاراته في علم الفسيولوجيا والامراض ما يعرف( بنظرية الاخلاط) حيث اعتبر الجسم مكونا من اخلاط اربعة : الدم ، العصارة الصفراء، العصارة الصفراء والبلغم . وتنص نظريته على ضرورة الحفاظ على هذه الاخلاط في حالة توازن تام ، واعتبر ان المرض ينجم عن اختلال في توازن الاخلاط المذكورة، والتي يمكن شفاؤها بواسطة الفصد او التليين.
وقد سجل (ابقراط) ملاحظاته في كتب بلغ تعدادها ما يقرب الستين كتابا تشمل مختلف المواضيع الطبية من تشخيص وصحة عامة،طب النساء والولادة،التغذية ، والجراحة كما واشتهر بقسم ابقراط الذي يردده الاطباء حتى يومنا هذا عند بداية ممارستهم للطب او قسما مستقى من قسم (ابقراط) باختلاف البلدان والثقافات.
كما ويحسب لابقراط قيامه وتلاميذه بانشاء معهد طبي في جزيرته (قو) قاموا فيه بتدريس الطب وتسجيل الملاحظات السريرية ، بيد أن طبيبا اغريقيا آخرا سابقا لابقراط هو الكمايون يعتبر اول من أسس معهدا طبيا عام 700 ق.م كما يعتبر أو من وضع كتاباً في التشريح .
تاريخ الطب الاغريقي
ابقراط
ومن الاسماء الساطعة في تاريخ الطب الاغريقي والعالمي يبرز (غلينوس) المولود في العام 131 م ، والذي تلقى علومه الطبية في سميرنا والاسكندرية . ثم نال شهرة واسعة بوصفه جراحا لعبيد (برغاموس). ثم انتقل الى روما ليصبح طبيب الامبراطور (ماركوس اوريليوس) ثم تفرغ في اخر حياته لكتابة مجموعة كبيرة من المؤلفات الطبية حتى وفاته عام 201 م.تأثر بتعاليم (ابقراط) ورفدها بالمعرفة التشريحية لبعض اطباء الاسكندرية مثل (هيروفيلوس) .وكان من انصار الملاحظة والسببية ويعتبر اول عالم في الفسيولوجيا التجريبية . حيث اجرى ابحاثه حول عمل الكلية والنخاع الشوكي بنمط تجريبي. وقد سرت تعاليمه في الغرب المعاصر لا سيما تلك التي تنص على حتمية الملاحظة والتجربة في الابحاث الطبية حتى اصبحت عقيدة للباحثين في الحقل الطبي منذ القرن السادس عشر الميلادي و حتى يومنا هذا.


تاريخ الطب الاغريقي
جالينوس
وخرج من رحم الحضارة الاغريقية كذلك الطبيب الصيدلاني (ديوسكورديوس) المولود في عهد الامبراطورية الرومانية خلال العقود الاولى بعد الميلاد ، والذي اشتهر بكثافة رحلاته بحثا عن مواد دوائية في اصقاع الامبراطورية الرومانية المترامية الاطراف انذاك مستفيدا من وجود مسافات شاسعة للامبراطورية تحت حكم واحد في ذروة توسعها.
وقد اصدر كتابه الذي يعد اساسا ومنهجا(المادة الدوائية) في خمسة اجزاء تركزت حول تحضير،خواص ، وتجريب الدواء ليصبح المرجع المركزي في علم الدواء لاوروبا والشرق الاوسط لستة عشر قرنا تالية كان خلالها (المادة الدوائية) عقيدة للعاملين في الحقل الطبي لا سيما تعاليمه بوجوب البحث والتجريب الدوائيين ، واكثر من عمل على حفظ الكتاب وتنقيحه وتطويره هم العرب الاندلسيون حيث ترجم الكتاب الذي اهدى نسخته امبراطور القسطنطينية الى الأمير الاندلسي عبدالرحمن الثالث فاعتنى بترجمته وتطويره.

الطب عند قدامى المصريين

بقلم: د.عبدالرحمن أقرع
ملاحظة هامة: حقوق النقل والطبع محفوظة للمؤلف..يمنع النقل دون إذن المؤلف!



(المرء في مصر اكثر براعة في الطب من اي انسان اخر)
هوميروس في الالياذة


مارس المصريون الطب منذ فجر التاريخ، حيث تشير المخطوطات القديمة انهم استخدموا الملكيت لعلاج الام العين كما واستخدموا كبريتيد الرصاص كدواء ،كان ذلك في العام 4000 ق.م.وقد برعوا في فن الطب الى درجة جعلت مصر قبلة للاستشفاء من ارجاء الارض و اهل الحضارات المجاورة.وهذا ما تؤكده الرسومات الهيروغليفية على جدران المعابد والقبور وأوراق البردى . فقد ذكر المؤرخ الاغريقي هيرودوت ان ملك الفرس طلب من الفرعون احمس الثاني ان يوفد اليه افضل طبيب عيون لديه وكان ذلك في العام 560 ق.م. كما وتظهر الصورة ادناه وهي موجودة على جدران احد المعابد في طيبة صورة ل (نيبامون:1400 ق.م ) طبيب الفرعون وكاتبه وهو يستقبل اميرا سوريا يدفع اليه اجره كاملا على شكل جائزة.
وكان مألوفاً لدى الفراعنة وجود تخصصات مختلفة كطب العيون وطب الأمراض الهضمية بل ووجد أخصائيون في طب الشرج والطريف ان ترجمته الحرفية تعني (راعي الشرج)، كما وجد طب الاسنان ، وكان هنالك طبيبات نساء أيضاً.
. وقد سجل قدماء المصريين خبرتهم بالأدوية على جدران المعابد والقبور وأوراق البردي، وتعود اقدم اوراق البردى الى العام 1825 ق.م وتعرف ببردى كاهون للامراض النسائية في عهد امنحتب الثالث ، حيث تشمل وصفا لتشخيص الحمل،الام الأسنان عند الحوامل، امراض النساء عامة،جنس الجنين، وكذلك ادوية الانوثة ومراهمها .
وتشير المخطوطات القديمة الى أن الطب الفرعوني كان في غاية التطور بالنسبة لزمانه ، بل وساهم في التأثير على الطب الاغريقي فيما بعد ، ويكفي أن نعلم أن أبقراط المعروف بأبي الطب وهيروفيلوس وجالينوس قاموا بالتعلم في معبد أمنحوتب ، وساهموا في التجسير بين الطب الفرعوني والاغريقي فيما بعد.

صورة على جدران معبد مصري تظهر طبيب الفرعون وكاتبه وهو يستقبل اميرا سوريا يدفع اليه اجره كاملا على شكل جائزة.


ومن أشهر هذه البرديات بردية ( ايبرس )التي ترجع للقرن 16 ق.م . وتعتبر اقدم البرديات حيث يرجح ان تعود الى عهد الملك دين من الاسرة الفرعونية الاولى (3000 ق.م) وهي اسطوانة يبلغ طولها العشرين مترا وتعد مرجعا ضخما للامراض الباطنية،والجلدية والنسائية وامراض العين والاطراف والامراض الجراحية.كما واحتوت على مصطلحات تشريحية وفسيولوجية . اضافة الى ما يقرب ال 400 دواء و 788 وصفة علاجية.

ومن البرديات المشهورة كذلك بردية ادوين سميث التي تعود الى عام 1600 ق.م والتي يبلغ طولها الخمسة امتار و يركز فحواها على الجراحة حيث تصف ما يقرب ال 84 حالة جراحية من جراحات الرأس والعنق والكتفين والصدر والثدي. والمؤسف ان ما وصلنا منها توقف عند الصدر حيث اقتطعت الجملة من وسطها وفقدت بقية محتواها . وتصف البردية المذكورة بداية كل حالة من الحالات المذكورة ثم تصف العلاج، والطريف في الامر انها تصف الكسور وصفا دقيقا لا سيما تلك الكسور المتعددة التي ربما حدثت في اماكن بناء الاهرامات.
وقد تحدثت البرديات عموما عن نباتات طبية عديدة كانت تنمو في أرض مصر أو تجلب من الصومال أو السودان أوالجزيرة العربية أوالحبشة. و اعتمد قدماء المصريين في تحنيط جثث الموتى وحفظها من التلف على بعض النباتات كالحنة والبصل والصمغ وخيار شمبر والمر واللبان ونشارة الخشب والكتان ونبيذ البلح.
ورغم ضحالة معرفتهم في اسباب الامراض و ارجاع ذلك الى الارواح الشريرة فقد امتاز المصريون القدامى بمعرفة واسعة في علمي التشريح وعلم وظائف الاعضاء حيث اشتهروا بتحنيط الجثث في الوقت الذي دأبت الامم الاخرى على حرقها . وقد كانت لهم طريقة مميزة في افراغ محتوى الجمجمة من خلال ثغرتي الانف باستخدام كلاب دقيق ، وربما توافقني الرأي انه ما كانوا ليتمكنون من ذلك لولا معرفة واسعة في التشريح وخاصة تشريح الرأس والدماغ.
وقد وصفت بردية ابرس موقع القلب وصفا دقيقا ،وبالدقة ذاتها وصفت العديد من امراضه كاضطرابات النبض. وكانوا يعتقدون أن القلب هو مصدر الاوعية الدموية، وان الدورة الدموية تنساب من القلب الى كل اجزاء الجسم وكانوا يدركون انها اوعية جوفاء الا انهم لم يكونوا يميزون بينها وبين الاعصاب والاربطة الامر الذي اعاق فهمهم الكامل لكنه الدورة الدموية.
والمثير للاعجاب حقا انهم برعوا في فن الفحص السريري كما تذكر بردياتهم براعة لا تقل عن براعة الاطباء المعاصرين كما واهتموا بمحادثة المريض وأخذ السيرة المرضية.وميزوا بين الاورام المختلفة.
وكان لقدامى المصريين كذلك و صفاتهم الخاصة في تشخيص العقم و تحديد جنس الجنين وموانع الحمل ، وكان لهم دور للولادة كاجنحة ملحقة بالمعابد تؤمها الحوامل بحثا عن حرز الهي اكثر منها كامكنة للولادة.
وكانوا يحثون على الرضاعة الطبيعية لثلاث سنوات على الاقل ، وكانت لهم وصفاتهم في ادرار الحليب ، وعند فشل الام فقط في الارضاع كانوا يوصون بالتحول الى حليب البقر.
ونشير هنا الى اهتمام الأطباء المصريين القدامى بالغذاء والحمية ، وكانوا يعتبرون لحم الخنزير غير نظيفاً كما يذكر المؤرخ الاغريقي الشهير هيرودوت ، الذي أشار ايضا الى بعض الوجبات الغذائية التي كان يحظى بها المصريون والتي تشير الى وجود نمط غذائي متكامل لدى الطبقات العليا والدنيا أيضاً في المجتمع الفرعوني القديم.
وكانت لهم تعاليمهم في الجراحة : حيث دأبوا على تخييط الجروح بالإبرة والخيط، ووصفوا السرطانات في بردياتهم لا سيما سرطان الرحم، وسرطان الثدي. وقد كشف العلماء المعاصرون ما لا يقل عن39 مومياء انثوية مصابة بسرطان الرحم.واحتوت البرديات على وصف للبواسير ووصفات لعلاجها . وبرعوا في الجراحة حتى انهم استخدموا القصب لتوسيع الاحليل الضيق خلقيا مستخدمين ادوية للتعقيم وكذلك لتخفيف الالم.واشتملت بردياتهم على وصف العديد من الادوات الطبية لا سيما الجراحية منها (انظر الرسم)
تاريخ الطب القديمة
ادوات جراحية مصرية قديمة.
وكان للفراعنة نظريتهم المسماة بالقنوات والتي تتكهن بوجود قنوات تنقل الماء والدم والهواء الى الجسم وان المرض ينجم عن انسداد هذه القنوات ، وربما اقتبسوا ذلك من النيل وروافده وأن انسداد الروافد يؤدي الى انحسار جودة المحاصيل الزراعية ومن ثم فقد الفوا استخدام المسهلات كعلاج.
غير ان الجدير بالاهتمام حقيقة هو طبيعة التعليم في المعاهد الطبية الفرعونية ،فقد انتشرت ما عرفت بال(بيري-انخ) و ترجمتها (بيوت الحياة) وابرزها ذلك العائد الى (امنحتب) في (ممفيس) والذي حاز على شهرة دولية نظرا لمكتبته التي استمرت الى ما بعد الميلاد،واخر في ( سيس) حيث تدربت القابلات كمرحلة اولى ثم قمن بتدريب الاطباء فن الولادة بعد ذلك، ومعهد ثالث في ابيدوس الذي كان الفرعون رمسيس الرابع يكثر التردد الى مكتبته، وغيرها. و عدا عن كون تلك البيوت مراكزا للدراسة الا انها كانت مخزنا للكتب و البرديات التي من اقدمها كتابا ( الممارسة الطبية) و (كتاب التشريح) اللذين كتبا من قبل احد ملوك الاسرة الفرعونية الاولى و قد ضاع كلاهما للاسف.
ويبدو ان كتبا اكثر تخصصا قد كتبت بعد ذلك ، فقد عثر رئيس مدرسة الاسكندرية المسيحية عام 180 للميلاد على ستة كتب في مكتبتها تتناول مجالات طبية مختلفة كالتشريح والامراض والادوات الجراحية والادوية وطب العيون والنساء.
والمؤسف حقا ان بيوت الحياة هذه قد دمرت بامر من الملك الفارسي (قمبيسيس) عام 525 ق.م ب ،مع العديد من المدارس والمعابد، ثم اعيد بناؤها على يد وريثه(داريوس) الذي كتب على تمثاله في السطر الاخير من وصف ذلك الحدث : ( لقد امر جلالته بذلك لادراكه قيمة هذا الفن الذي يحفظ حياة المرضى قاطبة).
والمبهر حقا في تلك الحضارة الغابرة هو طبيعة الخدمات الصحية التي تمتع بها الشعب المصري ، حيث تمتع العمال والموظفون بتامين صحي خاص ، وقد تمتع بناة الهرم بخدمات طبية عالية الجودة وافرد لهم طبيبا نعت بطبيب المستعمرة. حيث تشير احدى النصوص الى تكفل احد المعابد بدفع الكلفة العلاجية كاملة لاحد الموظفين بعد اثبات اصابة عمل في عينه اثناء مزاولته لعمله في خدمة المعبد،ولم يكن في دولة الفراعنة سن ثابتة للتقاعد الا لمن يعاني من عجز بدني ، ونصت البرديات على حق العمال في المطالبة بتقاعد مبكر بسبب العجز ، كما و رخصت المغادرة المرضية للعاملين في مختلف القطاعات.وقد حددت ساعات العمل باربع ساعات في الصباح واربع بعد الظهر يتخللهما تناول وجبة و قيلولة لتجنب خطر ضربة الشمس.
كما وخصصت الخدمات الطبية لعمال المناجم ، وان كانت ضحلة المعلومات التاريخية المتوفرة عن الخدمات الطبية العسكرية ، الا ان بعض المخطوطات تتحدث عن مستلزمات النظافة لدى الجيش الفرعوني و يكفي ان نعلم ان تقليد حلق الشعر للجنود تلافيا للقمل والحشرات قد مورس للمرة الاولى في التاريخ من قبل الجيش الفرعوني.
وكانوا يوصون بالغسل وازالة الشعر عن الجسم لا سيما ما تحت الابطين وذلك لتفادي العدوى.

هناك 3 تعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. هل يسمح لي بنسخ بعض من النصوص واستخدامها في بحثي مع فهرسة ذلك ؟

    ردحذف
  3. كما أن التطور الصيني في مجال"الفيتامينات حاليا "راجع إلى إعتمادها للمخطوطات الطبية القديمة.

    ردحذف