الجمعة، 5 أبريل 2013

10 سنوات على رحيل العالم المعلم الملهم- رحمه الله-

عشر سنوات على رحيل غايتون
بقلم: د. عبدالرحمن أقرع
المحاضر في علم وظائف الأعضاء
كلية الطب- جامعة النجاح الوطنية
نابلس- فلسطين

قبل عشر سنوات من الآن ، في الثالث من نيسان عام 2003 غيب الموت عالم الفسيولوجيا الشهير آرثر غايتون في حادث سيرٍ مروع أودى بحياتهِ شخصياً وأصيبت زوجته بجراحٍ خطيرة لتلحق بهِ بعد أسبوعٍ من الحادث ، لتخسر الانسانية عبقرياً في حقل علم وظائف الأعضاء والطب عموماً ، أو كما يصفه زميله (جون هول) بالقائد بين القادة ، وبالأستاذ المعلم ، وبالنموذج الملهم للبشر في سائر أرجاء الأرض.
ولد آرثر غايتون في أسرةٍ ذات باعٍ طويلٍ في العلم ن فقد كان والده (ويليام غايتون) طبيباً مشهوراً متخصصاً في الأنف والأذن والحنجرة ، وعميداً لكلية الطب في جامعة ميسيسيبي ، أما والدته ( رُث سمولوود غايتون) فقد كانت مدرسة في مجالي الرياضيات والفيزياء. ويبدو أن ابنهما آرثر الذي غدا أشهر علماء الفسيولوجيا فيما بعد قد ورث عن كلا والديه جوانباً من علمهما ليدمجها مضيفاً اليها لمسات عبقريته الذاتية، ففي سنين صباه كان يستمتع بمراقبة عمل والده في عيادة ( غايتون) ، ويتسلى بلعب الشطرنج وصناعة العديد من الاجهزة الكهربائية والميكانيكية.
وقد ظهر نبوغه مبكراً وتخرج أولاً على دفعته من كلية الطب في جامعة ( ميسيسيبي) ، وتميز في جامعة (هارفارد) ثم بدأ تدريبه الجراحي في مشفى (ماساشوسيت) العام .
وقد انقطع عن تدريبه التخصصي مرتين: أولاهما أثناء خدمته في البحرية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، والأخرى عقب اصابته بفيروس شلل الأطفال عام 1946 في السنة الأخيرة من برنامجه التخصصي فيصاب بالشلل في ساقه اليمنى وذراعه الأيسر وكتفيه، ليقضي 9 شهورٍ بعدها في الحمامات المعدنية في ولاية (جورجيا) دافعاً دماغه العبقري لاختراع أول كرسي متحرك مزود بمحرك يتم تشغيله بمقبض، وروافع خاصة لرفع المرضى ، وأقواس خاصة للسيقان المشلولة وأدوات أخرى لمساعدة المعاقين ، وقد نال على اختراعاته تلك تكريماً رئاسياً آنذاك.
وعاد بعد ذلك الى أوكسفورد ليعيد الالتحاق بجامعة ( ميسيسيبي) ويكرس حياته للتدريس والبحث العلمي ويصبح فيما بعد رئيساً لقسم ( علم وظائف الأعضاء) فيها عام 1948 .
وفي العام 1951 أدرج اسمه ضمن أبرز عشر رجال في الأمة الأمريكية، وفي العام 1955 نقلت جامعة ميسيسيبي كلية الطب فيها الى جاكسون ، ليؤسس ( غايتون) أول مركزٍ معتبرٍ على مستوى العالم للأبحاث المتعلقة بالقلب والجهاز الدوراني.
غايتون عالماً :
لقد ترك (غايتون) وراءه تراثاً علمياً باذخاً يربو على الـ 600 ورقة علمية ، و40 كتاباً ، ويعود الفضل في فهمنا لعمل القلب والجهاز الدوراني الى ابحاثه واكتشافاته في مجال ضبط وظائف القلب ، ولا يمكننا فهمها دون الاستعانة بما منحنا اياه من فهمٍ للنتاج القلبي والرجوع الوريدي والضغط السالب للسائل بين الخلوي ، ومن ثم صار فهمنا لأمراض كارتفاع ضغط الدم وهبوط القلب والاستسقاء أكثر رسوخا.
وكان ( غايتون) ذا عقلٍ تحليليٍ فريد أهله للمساهمة في الكشف عن آليات تنظيم وضبط عمل القلب عبر تطبيق المبادئ الهندسية وتحليل النظم ، واستخدام المنهاج الكمي ، كما كان ذا قدرة خارقة على جمع النتف من المعلومات من نتائج أبحاثه وأبحاث الآخرين لضعها في صيغة متكاملة ضمن اطار مفاهيميٍ كمي.
وقد سبق ( غايتون) اختراع الحواسيب الرقمية حيث قام بانشاء حواسيب تناظرية فأصبح رائداً في تحليل النظم ذات النطاقات الواسعة لنمذجة آليات عمل القلب والأوعية الدموية، وبعد اختراع الحواسيب الرقمية امتدت نماذجه المتعلقة بالجهاز الدوراني لتشمل الجهاز الكلوي ، والجهاز العصبي الذاتي والغدد الصماء ، وغيرها.
وهو من قام بتزويدنا بأول نظام تحليلي شامل لضبط وتنظيم ضغط الدم، ومن ثم ستظل انجازات هذا الرجل أساساً للابحاث المتعلقة بعمل الجهاز الدوراني .
وقد حصل د. غايتون على أكثر من 80 لقب وجائزة من مؤسسات علمية ومدنية وجامعات ومراكز بحثية في أمريكا والعالم ، منها عدد خصص للبارزين في الابحاث المتعلقة بالقلب والاوعية الدموية مثل جائزة (سيبا) التي يمنحها (مجلس أبحاث ضغط الدم المرتفع) ، وجائزة ( وليام هارفي) من الجمعية الأمريكية لدراسات مرض ضغط الدم المرتفع ، وجائزة الانجاز البحثي الممنوحة من جمعية القلب الأمريكية.
كما حصل على جوائز (ميرك) و ( شارب) و ( دوهم) التي تمنحها الجمعية الدولية لضغط الدم.
وحصل كذلك على جائزة (ويجرز) التي تصدرها الجمعية الأمريكية لعلماء الفسيولوجيا.
وقد دعي (غايتون) عام 1978 من قبل جمعية الأطباء الملكيين في لندن لالقاء محاضرة بمناسبة الذكرى الـ 400 لميلادمكتشف الدورة الدموية ( ويليام هارفي).
غايتون معلماً:
رغم المساهمات الرائدة والاسطورية لغايتون في البحث العلمي ، الا أن مساهمته كمعلم ومدرس قد تكون فاقت مساهمته البحثية عظمةً ، اذ يكفي أن نعلم أنه وزوجته (رُث) قد أنجبا عشرة أبناء تخرجوا جميعاً من كليات الطب ليصبحوا أطباءً بارزين ، فقد تخرج 8 من أبنائه من (هارفارد) ، وابنٌ تاسع من جامعة (ديوك) أما ابنه العاشر فتخرج من جامعة ميامي .
ولم يكن النجاح والتميز للأبناء العشر صدفة ، بل ذلك عائد الى فلسفة غايتون التربوية القائمة على ( التعليم بالعمل) فقد اندمج أولاده جميعاً في تصميم وتنفيذ كل ما يتعلق ببيتهم من بناء وأنظمة تدفئة وحمامات سباحة وملاعب تنس وأجهزة الكترونية ، مما دفع برنامجاً متلفزاً كـ ( صباح الخير أمريكا) و ( 20/20) الى تخصيص حلقات للحديث عن بيت غايتون الذي تشاطر فيه وزوجته واولاده متعة العمل ضمن فريق وهوس التعلم والاستكشاف ، وادراك قيمة العمل والتعاون ، وتشاطر الحب العميق الذي يكنه كل منهم للآخر.
2- غايتون مدرساً :


كان (غايتون) أستاذا معلماً درّسَ كلّ طالبٍ في كلية الطب في جامعة ميسيسيبي لمدةٍ تزيد على نصف قرن ، ورغم انه كان دائم الانشغال بمسؤولياته وكتاباته وأبحاثه ومهام التدريس الا أن لم يكن ينشغل قط عن الحديث عن فكرة بحث أو عن تجربة جديدة أو عن الحديث مع طالب يعاني من بعض الصعوبة في الدراسة. والطريف في الأمر أنه كان يرفض أي دعوة لالقاء محاضرة مرموقة تورثه مزيداً من المجد اذا تعارضت مع برنامج محاضراته لطلبته.


وقد امتدت مساهماته التدريسية لتشمل الطلبة الخريجين من طلبة الدراسات العليا وما بعد الدكتوراة ، فقد درب 150 عالماً أصبح 29 منهم رؤساءً في دوائرهم ، كما اصبح 6 منهم رؤساء لجمعية الفسيولوجيا الامريكية.
وكان يمنح طلبته الثقة بقدراتهم ، ويجسد مبدأه القائل : ( ان الناس الناجحين في عالم الابحاث هم ذاتيو التعليم ذلك انهم يعلمون انفسهم أكثر مما يعلمهم الآخرون ) .
ولم يكن أحد ممن دربوا قادة علم الفسيولوجيا بخصوبة ( آرثر غايتون) ، لذا فلم يكن غريبا أن يحصل على جائزة التوجيه الأكاديمي ( يوجين برونوولد) من الجمعية الأمريكية للقلب في العام 2001 ، أي قبل عامين من وفاته.
يقول زميله وتلميذه ( جون هول) : كنت كغيري ممن تدربوا على يدي غايتون قد بدأت صلتي به عبر كتابه ( كتاب في الفسيولوجيا الطبية) الشهير ،والذي هو تحفة تحتوي على المفاهيم المفتاحية التي تعرض بطريقة واضحة وممتعة تجعل من دراسة الفسيولوجيا متعةً مسلية.
وكان قد وضع كتابه ليدرس طلبته لا ليثير انطباع زملائه ، لذا جعلت شعبية الكتاب بين الطلبة أكثر كتب الفسيولوجيا انتشاراً في التاريخ ، هذا الانجاز وحده كفيلٌ باظهار عظمةِ ارثه.


لقد ترجم كتابه في الفسيولوجيا الطبية الى 15 لغة ، وجليٌ أنه بذل في كتابه لتدريس الفسيولوجيا أكثر من أي فردٍ في التاريخ دون مبالغة ، فهو ليس كالكتب المقررة الأخرى التي تقرأ على غلافها أسماء 10 – 20 مؤلفاً ، فقد ظل يكتب الكتاب وحيداً حتى الطبعة الثامنة على امتداد 40 عاماً .
يقول جون هول( عندما دعاني للمساعدة في اصدار الطبعتين التاسعة والعاشرة شعرت بشرفٍ وبهجة لأن كتابه فريد في تاريخ المنشورات الطبية .
ونظراً لمساهماته العديدة في التعليم الطبي فقد تلقى عام 1996 جائزة ( ابراهام فليكسنير ) جمعية الكليات الطبية الامريكية . وقد شرف كل عام بمنج جائزة غايتون للتعليم من قبل الجمعية الفسيولوجية الأمريكية.
غايتون ملهماً :
لقد تجاوزت انجازات غايتون العلم والطب والتعليم الى الحياة نفسها حيث كان ملهماً للكثيرين من البشر ، اذ يقول تلميذه وزميله (جون هول) : ( لم يعلمنا أحد مثل غايتون ، فهو لم يعلمنا الفسيولوجيا فقط، بل علمنا الحياة ، ليس عبر كلامه بل عبر الحماسة الصامتة والتحفيز للوصول الى أعلى مستوى ممكن.
ويواصل هول القول : ( لقد امتلك قدرةً هائلة على الالهام والتأثير عبر روحهِ التي لا تقهر ، فلم يفكر أحدٌ عمل مع غايتون يوماً أنه يعمل مع شخص معاق رغم أن شلل الأطفال قد أقعده بشكلٍ بالغ ، لأن عقله الألمعي وتفانيه للعلم الذي لا يعرف الكلل للعلم والتعليم والأسرة ، ناهيك عن روحه المتحمسة قد جذبت اليه الطلبة والمتدربين وزملاء المهنة ورجال الأعمال والساسة وكل من تعرف اليه يوماً).
ويتابع هول: ( لقد كان الفضول يعتري كل من عرف الرجل حول كيفية اتمامه لكل الانجازات العظيمة في حياته العلمية والعملية والخاصة رغم الاعاقة) . 
ويصف هول ردة فعل الجمهور في قاعات المحاضرات عندما كان ينهض بصعوبة عن كرسيه المتحرك ليلقي محاضرة فينسى الجمهور اعاقته مأسورين بمفاهيمه الألمعية أثناء القاء محاضرته.
كان كافة طلبته والمتدربين على يديه يشيرون اليه بالرئيس أو بالدكتور غايتون مهما طالت عشرتهم له، حتى هول نفسه الذي شاركه في اصدار الطبعتين الأخيرتين من كتابه يقول: كان يطلب مني أن أناديه بآرثر بدلاً من د. غايتون ، ولكن ذلك كان من طلباته القليلة التي لم أطعه فيها ، فلم أكن أرى لي حقاً في ذلك رغم أنه نفسه هو والدنا الذي علمنا الفسيولوجيا ودروساً بالغة الأهمية في الحياة كذلك.
والطريف في الأمر أن غايتون وأفراد أسرته الذين شيدوا بيتهم بأنفسهم لم يكونوا يستدعون أحداً لاصلاح عطبٍ أو خلل في بيتهم ومرافقه بل كان يعمد (غايتون بنفسه لاصلاحه.


هناك 7 تعليقات:

  1. بانتظار الحلقة القادمة ...!!!

    ردحذف
  2. سيرة رائعة لشخصية أروع
    السيرة ملهمة ومحفزة لأبعد الحدود
    شكرا دكتورنا العزيز على جهودك

    ردحذف
  3. مركز اللغات
    http://www.mediu.edu.my/ar/?page_id=168

    الدورات التي يقدمها المركز:
    • البرنامج التأهيلي لاختبار ( توفل )
    • دورات اللغة العربية للناطقين بغيرها
    • دورات تعليم اللغة الإنجليزية KPT(JPS)600-07/71/Jld. III 13
    • دورات اللغة العربية بأندونيسيا
    • اختبارات تحديد مستوى الكفاءة اللغوية

    هيكل البرنامج
    1- مهارات اللغة الإنجليزية الأساسية 1 (SLEN1013)
    2- مهارات اللغة الإنجليزية الأساسية 2 (SLEN1023)
    3- الإنجليزية للاتصال في بيئة العمل (SLEN2053)
    4- الإنجليزية لأغراض أكاديمية (SLEN2043)
    5- الانجليزية للأغراض العامة (SLEN2033)
    . كتاب إلكتروني لتعلم اللغة العربية

    مع تحيات/
    مركز اللغات
    http://www.mediu.edu.my/ar/?page_id=168
    جامعة المدينة العالمية
    http://www.mediu.edu.my/ar/

    ردحذف