السبت، 28 ديسمبر 2013

سبب جديد للهرم قابل للانعكاس

سبب جديد للهرم قابل للانعكاس : مركب طبيعي يعكس جوانب الموت المتصل بالهرم لدى الفئران
ترجمة واعداد: د.عبدالرحمن أقرع / المحاضر في علم وظائف الأعضاء وتاريخ الطب
جامعة النجاح الوطنية- فلسطين
-----------------------------
  البروفيسور ديفيد سينكلير
آنا غلومز
في جوهر هذا الاكتشاف تقع مجموعة من الظواهر الجزيئية التي تمكن لتواصلٍ داخل الخلية بين النواة والميتوكوندريا ، وعندما يتوقف هذا التواصل يحدث الهرم ، وباعطاء جزيء ينتج طبيعياً في جسم الانسان فان التواصل المذكور يسترد ، وقد تمكن العلماء من استرداد التواصل المذكور في الفئران الهرمة عبر اعطاء الجزيء المنتج طبيعياً لدى الانسان .  وقد أظهرت العينات النسيجية التابعة للحدث وسمات بيولوجية مفتاحية عند مقارنتها بالأنسجة التي تعود للفئران الأكثر شباباً.
ويقول استاذ الجينات في جامعة هارفارد الطبية البروفيسور ديفيد سينكلير ، والمؤلف الاساسي في الدراسة ذات الصلة : ( عملية التقدم في العمر كزوجين شابين ، في شبابهما يتواصلان بشكل جيد ولكن مع مرور الزمن وعيشهما في في حيز قريب فان التواصل يتلاشى ، وتماما كما لدى الزوجين فان استعادة التواصل كفيل بحل المشكلة ).
وقد نشرت الدراسة في عدد 19.12.2013 من مجلة ذا سيل (الخلية ) العالمية المرموقة كجهد مشترك لجامعة هارفارد -كلية الطب ، والمعهد الوطني لدراسات الهرم ، وجامعة (نيو ساوث ويلز ) في سيدني باستراليا.
* اضمحلال التواصل :
تعتبر المايتوكندريا بيت الطاقة للخلية التي تحرر الطاقة الكيماوية اللازمة لتغطية الوظائف الحيوية الاساسية للخلية . وهي جسيم يعيش داخل الخلية ويحوي جينومه الخاص ، واعتبرت لاعباً رئيساً في موضوع الهرم اذ مع مرور الزمن تصبح غير فاعلة ويسبب ذلك الامراض فالالزهايمر مثلا وبعض اشكال مرض السكر ناجمة عن تراجع الفاعلية الوظيفية للميتوكوندريا.
لقد ظل العلماء لزمن طويل مشككين في فكرة امكانية عكس الهرم ، وذلك لهيمنة النظرية القائلة ان الامراض ذات الصلة بالهرم تنتج عن طفرات في DNA الميتوكوندريا ، والطفرات لا يمكن عكسها.
وقد عكف (سينكلير) وفريقه على دراسة الهرم والذي عرِّف عموماً كقصور في الوظيفة مع الزمن ، وقد تم التركيز لسنواتٍ طويلة على مجموعة جينات تدعى (سيرتوينات ) واظهرت الدراسات السابقة من مختبر الفريق ان احد هذه الجينات ويدعى (سيرت-1)SIRT1 تم تنشيطه بمركب يدعى ريسفيراتول والموجود في العنب والنبيذ وبعض الجوزيات .
وقامت احدى أعضاء فريق سينكلير وتدعى (آنا غومز) بدراسة على الفئران التي نزع منها الجين (سيرت-1 ) والتي من المتوقع ان تظهر علامات الشيخوخة عليها بما فيها قصور في عمل الميتوكوندريا ، فكانت مفاجأة الفريق ان معظم بروتينات المايتوكوندريا القادمة من النواة كانت في مستوياتها الطبيعية ، وفقط تلك التي يتم املاؤها من قبل جينوم المايتوكندريا كانت منخفضة المستوى، وكان ذلك شاذاً عما تحدثت به النظريات كما تقول غومز .
وعندها استثمرت غومز وزملاؤها سبباً قوياُ ليقوموا باكتشاف  سلسلة مستعصية من الظواهر بدأت بمادة كيماوية تدعى NAD وانتهت بجزيء مفتاحي يقوم بنقل المعلومات وتنسيق الأنشطة بين جينوم النواة وجينوم المايتوكوندريا ، وأن الخلايا تظل معافاةً ما فتئ والتنسيق جارياً بين الجينومين.
ودور (سيرت-1) هو دور وسيط شبيه بدور الحارس الامني يضمن عدم تدخل جزي فضولي يدعى (هيف-1 ) HIF-1في التواصل ، ولسببٍ غير معروفٍ بعد فاننا عندما يتقدم بنا العمر يقل مستوى المادة الكيماوية الاولية NAD والذي بدون كمية كافية منه يفقد (سيرت-1) هيمنته على (هيف-1) فترتفع مستويات الاخير مما يشفي غليله في تدمير التزاصل الدقيق بين الجينومين مما ييقلل من مقدرة الخلايا على انتاج الطاقة وتبدأ علامات المرض والهرم بالظهور .
وتقول غومز : هذا الجزء من عملية الهرم لم يتم الكشف عنه من قبل ، وبينما يتسبب وقف التواصل في قصور سريع لوظائف الميتوكوندريا فان بعض علامات الهرم الاخرى تاخذ وقتا اطولاً للحدوث ، واكتشفت غومز ان ادخال مركب ذاتي تقوم الخلية بتحويله الى NAD  قد يصلح شبكة الاتصالات وتسترد التواصل وتسترد وظائف المايتوكندريا، وان هذا المركب اذا اعطي مبكراً قبل تراكم الطفرات - اي خلال ايام- فان بعض الجوانب في عملية الهرم يمكن استردادها.
ولحسن حظ الفريق فان دراسة عضلات فئر بعمر عامين قد مكنهم من اكتشاف المركب المنتج للـ NAD في ظرف اسبوعين ، وبدأ الباحثون البحث عن مؤشرات لممانعة الانسولين والالتهاب والاضمحلال العضلي وفي الحالات الثلاثة وجدوا ان الانسجة من فئر ذي 6 اشهر تشبه تلك لذي الـ 3 اشهر ( مقارنة بالانسان كالمقارنة بين ابن الستين وابن العشرين )
وأهم ما تم كشفه أن الـ (هيف-1) ليس مجرد جزيء يفسد شبكة الاتصالات بل وجد أيضاً أنه يعمل عندما يحرم الجسم من الاكسجين والا فانه يظل صامتا خاملاً ،كما وثبت ان السرطان ينشط الـ (هيف-1) فبدأوا بدراسة دوره في النمو السرطاني.
وتضيف غومز قائلة : ( من الاهمية بمكان الادراك أن الجزيء اللاعب دوراً أساسياً في الهرم هو ذاته الذي يلعب دورا اساسيا في السرطان ، ومن ثم بدانا نرى ان فسيولوجيا السرطان شبيهة بفسيولوجيا الهرم وهذا ربما يفسر لنا كون الهرم من عوامل الاخطار الخاصة بالسرطانات.
ويقول سينكلير: ( لا شك أن المزيد من العمل ينبغي فعله هنا ، ولكن تثبيت هذه النتائج تظهر أن العديد من جوانب الهرم سيمكن عكسها اذا كشفت مبكراً).
ويبحث العلماء الان عن المفعول الطويل الامد للمركب المنتج للـ NAD في الفئران وكيف سيؤثر على الفأر عموما وهل سيمكن استخدامه بسلام لعلاج امراض الميتوكوندريا وامراض اخرى بما فيها السكر من النوعين الاول والثاني ، ويخطط سينكلر في الخطوة المقبلة لمعرفة فيم اذا كان هذا المركب سيمنح الفئران عمراً اطول واكثر عافية.

نبات الأمبوريلا ، والقاء المزيد من الضوء على التطور الحيوي

 نبات الأمبوريلا ، والقاء المزيد من الضوء على التطور الحيوي
ترجمة واعداد : د.عبدالرحمن أقرع
محاضر في علم وظائف الاعضاء وتاريخ الطب-جامعة النجاح

كشف الترتيب الجديد لجينوم زهرة الامبوريلا الغموض المقيت لداروين ، الا وهو كيف انتشرت الازهار فجأة على الأرض قبل ملايين السنين . ويلقي الترتيب الجديد الضوء على ظواهر هامة من تاريخ الحياة على الارض ، الا وهو كشف مصدر النباتات المزهرة بما فيها الانواع ذات الصلة بالمحاصيل الغذائية .
ففي العشرين من ديسمبر لهذا العام نشرت ورقة علمية عن الترتيب الجينومي للامبوريلا ضمن مشروع يشمل وصفا كاملا للتحليلات الخاصة بالتطبيقات الجينية للنباتات المزهرية ستنشر قريبا في مجلة ساينس ( العلم ) وهي واحدة من ثلاثة ابحاث تتعلق بجينوم زهرة الامبوريلا ستنشر جميعاً في ذات المجلة.

وزهرة الامبوريلا (Amborella trichopoda) هي زهرة كمصدر وحيد لاصول التطور القديمة التي تعود تاريخيا الى الوراء الى السلف الاول للنباتات المزهرة .


والامبوريلا شجرة صغيرة توجد فقط في الجزيرة الرئيسية من جزر (نيو كاليدونيا ) في جنوب الباسيفيك . وقد افضت جهود العلماء من عدة جامعات الى الكشف عن ظواهر تطورية نتج عنها تنوع يزيد عن 300000 نوع من النباتات المزهرة التي نستمتع بوجودها اليوم من خلال فك الشيفرة الجينية للامبوريلا ، وهذه الجامعات هي : جامعة ولاية بنسلفانيا وجامعة بوفالو وجامعة فلوريدا وجامعة جورجيا وجامعة كاليفورنيا.
وقد منح التميز الفريد لنبتة الامبوريلا دوراً خاصاً في دراسة النباتات المزهرة  ، ويقول البروفيسور (فيكتور البرت) من جامعة بوفالو : (كما تمكنا من الكشف عن تتابع جينوم الامبوريلا والذي سنتمكن  بفضله من معرفة السلف المشترك للنباتات المزهرة ستساعدنا معرفة تتابع جينوم حيوان البالتيبوس ( منقار البطة) الى فهم تطور الثدييات ، ويعتبر البالتيبوس أيضاً من الحيوانات المتبقية من أصل (أرومة) قديم.


 حيوان البلاتيبوس
ويقول العلماء الذين تابعوا جينوم  الامبوريلا  ان  ذلك منحهم ادلة نهائية ان سلف النباتات المزهرة بما فيها الامبوريلا قد تطور تبعا لمضاعفة الجينوم  مضاعفة  قبل 200 مليون عام ، وان بعض الجينات المضاعفة قد تلاشى مع الزمن وظلت جينات اخرى بوظائف جديدة بما فيها المساهمة في نشوء اعضاء زهرية.
ويبدو ان التضاعف الجيني قد وفر تفصيلا لغموض داروين الا وهو الانتشار المباغت لانواع جديدة من النباتات المزهرة في الاحافير العائدة تاريخيا  الى العصر الطباشيري ،وكانت اجيالٌ من العلماء قد كدحت لحل هذا اللغز. هذا ما افاد به كلاود دي بامفيليس من جامعة بن.
وتزود التحاليل المقارنة لجينوم الامبوريلا العلماء بمعطيات جديدة لللاصل الجيني لسماتٍ هامة للنباتات المزهرة وذلك لموقعها بالغ الاهمية في تطور السلالات الحيوية والذي يجعل منت جينومها جينوماً مرجعياً يتيح فهماً أفضل للتغيرات الجينومية في النباتات المزهرة التي تطورت عنه لاحقاً بما فيها جينومات نباتات المحاصيل مما سيجعل من ذلك امراً اساسياً لتنمية المحاصيل كذلك.هذا ما افلاده جوغ سولتيس من جامعة فلوريدا.
وكمثالٍ آخر على قيمة جينوم الأمبوريلا تقول جوشوا دير من جامعة ولاية بينسلفانيا : ( لقد قمنا بحساب 14000 جين محدد للبروتيم ( Protein-coding genes ) وجدت في السلف المشترك الأخير للنباتات المزهرة ، والكثير من هذه الجينات هي جينات فريدة للنباتات المزهرة ، والكثير من هذه الجينات معروفة الأهمية لانتاج الأزهار  ومركبات أخرى وعمليات حيوية خاصة بالنباتات المزهرة.
وهذا العمل يزودنا للمرة الأولى بمفهومٍ شامل حول حقيقة أن النباتات المزهرة مختلفة جينياً عن جميع النباتات الأخرى الموجودة على الأرض ، وتزودنا بمفاتح للفهم حول كيفية الاختلاف الجيني بين النباتات ذات البذور وتلك عديمة البذور. هذا ما ما صرح به براد بابازوك من جامعة فلوريدا.
ويقول جيم ماك من جامعة جورجيا أن تتابع جينوم الأمبوريلا يسهل اعادة بناء جينات السلف فيما يسمى(core eudicot) وهو عبارة عن مجموعة ضخمة تضم 75% من كاسيات البذور ، وتشمل هذه المجموعة البندورة والتفاح والبقول بالاضافة الى الأشجار الخشبية كالبلوط والحور ، وكدخيلٍ تطوري على هذه المجموعة المتنوعة فان جينوم الأمبوريلا قد أتاح للباحثين أن يقدرو الترتيب الطولي لدى جينوم السلف وأن يستنتجوا التغيرات الخاصة بالأرومة ( أصل) التي حدثت على امتدادج 120 مليون عاماً زمنيا من التطور في ثنائيات الفلقةcore eudicot  .
وفي ذات الوقت يبدو أن الأمبوريلا اكتسبت بعض الصفات الجينية غير المألوفة أثناء تفرعها من شجرة الحياة للنباتات المزهرة ، فمثلاً تتابع حمض الـ DNA الذي يستطيع تغيير موقعه ويتضاعف داخل الجينوم فانه قد حظي بالثبات في جينوم الأمبوريلا . وفي الوقت الذي تظهر فيه معظم النباتات دفقات من هذا الـ DNA المتحرك فان الأمبوريلا فريدة في عدم حصولها على تتابعات جديدة متحركة مكتسبة خلال ملايين السنين الماضية.
الجدير بالذكر أن هنالك 18 مجموعة فقط من الأمبوريلا في جزر كاليدونيا.
 المرجع S. Chamala, A. S. Chanderbali, J. P. Der, T. Lan, B. Walts, V. A. Albert, C. W. dePamphilis, J. Leebens-Mack, S. Rounsley, S. C. Schuster, R. A. Wing, N. Xiao, R. Moore, P. S. Soltis, D. E. Soltis, W. B. Barbazuk. Assembly and Validation of the Genome of the Nonmodel Basal Angiosperm Amborella. Science, 2013; 342 (6165): 1516 DOI: 10.1126/science.1241130




الجمعة، 27 ديسمبر 2013

عمليات التربنة وجديد الاكتشاف

بقلم :د.عبدالرحمن أقرع
محاضر في علم وظائف الأعضاء وتاريخ الطب
-------------
تشير الدلائل أن المعالجين في البيرو مارسوا عملية التربنة ( النقب)  والتي هي عبارة عن عملية جراحية يتم خلالها ازالة جزء من قبو الجمجمة باستخدام مقدح يدوي أو أداةٍ أخرى للقطع قبل أكثر من 1000 عام ، وذلك لاستخداماتٍ طبية عديدة تتنوع من اصابات الرأس الى أمراض القلب.
وقد مورست التربنة منذ عهودٍ تاريخية بالغة القدم واستنبطت من الرسومات التي عثر عليها على جدران الكهوف ومن خلال الجماجم البشرية التي عثر عليها في أماكن مختلفة من العالم منها ما يعود الى 6500 عام في فرنسا.
وقد استخدمت لعلاجات عدة منها المنطقي ككسور الجمجمة والتشنجات  ازالة الورم الدموي تحت غشاء الجافية (من طبقات السحايا) - باختلاف المراحل التاريخية للاستخدام- ومنها ما استخدم لاخراج الأرواح الشريرة من الرأس .


لوحة للفنان هييرونيمس بوش بعنوان (استخراج حجر الجنون) من القرن الخامس عشر الميلادي.
أما آخر هذه الاكتشافات فقد تمت قبل اسبوعين في البيرو .
وتبدأ القصة عندما قامت عالمة الآثار الحيوية ( دانييلي كورين) وفريق البحث خاصتها بالتنقيب في كهوفٍ في في الاقليم الهندي الأوسط الجنوبي من البيرو (أمريكا الجنوبية) فعثرت على بقايا بشرية لـ 32 شخصاً من الفترة 1000-1250 للميلاد ، وعند تفحص العظام تبين اجراء 45 عملية تربنة للمذكورين.
(عندما يتلقى المرء ضربةً على رأسه تسبب انتفاخاً في الدماغ ، أو يعاني من مرضٍ عصبيٍ أو روحي أو بدني- نفسي فان فتح ثغرة في الجمجمة يصبحُ أمراً ذا جدوى) هذا ما أفادت به د. دانييلي كورين الأستاذ الزائر في دائرة علم البشريات ، والأخصائي في علم البشريات الشرعي (الجنائي) .
وتقول د.كورين أن هذا الاجراء ظهر في تلك المنطقة من البيرو بين العامين 200-600 للميلاد بيدَ أنهُ لم يكن شائع الاستخدام عالمياً ، وظل يعتبر ممارسة حيوية حتى قضى عليه الأسبان في بدايات القرن السادس عشر للميلاد.
بيد أنها حاولت أن تجد كيف بدأت عملية التربنة وبدأت بالنظر في تاريخ الامبراطورية المنهارة لتعثر على جوابٍ لتساؤلاتها.فتقول:
(عاش هذا الأقليم في الفترة بين 600-1000 للميلاد فترة ازدهار تحت ظل امبراطورية تدعى (واري) ، ولأسبابٍ غير معروفة فان الامبراطورية المذكورة قد انهارت فجأة ، وانهيار الحضارة قد جلب الكثير من المعضلات بيد أنه في فترة الانهيار تحديداً بدأ الناس في المنطقة يتقدمون ).
وتقارن د. كورين بين تسبب الاصابات بالرصاص من نوع جديد في الحرب الأهلية الأمريكية بتطوير أعين زجاجية أفضل ، وبأن الاصابات العسكرية عموماً تتسبب في انتاج أطراف صناعية وتطوير البحث في هذا المجال ، فان الأمر قد يكون كذلك في بعد انهيار حضارة الـ (واري ) وأن الناس لجأوا الى التربنة للتعاطي مع حالات العنف والمرض والحرمان المصاحبة لسقوط الامبراطورية المذكورة قبل 1000 عام من الآن)
وقد اظهرت ابحاث كورين وفريقها البحثي العديد من تقنيات القطع منها الجرفي ( scarping ) ومنها القطعي (cutting ) فيما استخدم البعض المقادح اليدوية، وكما نمارس اليوم تجربة أساليب طبية وجراحية جديدة فان العينات التي عثرت عليها كورين وفريقها توحي بتجريبهم لأساليب قطع مختلفة على الجماجم البشرية.
ويبدو أن بعض عمليات التربنة قد نجحت فيما مضى في الوقت الذي فشل بعضها الآخر ، لا سيما أن النمو الجديد للعظم ظهر في بعض العينات  المذكورة التي عثر عليها في الكهوف .وتشير كورين أنها رصدت في بعض العمليات كسوراً في الجمجمة تمت معالجتها بالتربنة وأن العينات تشير الى التئام الكسور وفتحات التربنة كذلك رغم ان العظم قد احتاج الى سنواتٍ لينمو من جديد .فيما قد تصاحب بعض فتحات التربنة المصاب الى بقية حياته.
وتظهر الابحاث ان عمليات التربنة التي لم تحظَ بنجاح كانت جثث أصحابها تستخدم لغايات تعليمية ، وكانت المهارة الجراحية آنذاك تقتضي أن يتم العمل على عظام الجمجمة دون المس بالدماغ مع ضرورة الاشارة هنا ان هذه العمليات مورست على الرجال فقط دون الأطفال والنساء الذين منع اجراء التربنة عليهم بنص القانون انذاك.
وتشير الابحاث التي تقودها كورين الى ان عمليات التربنة كانت تسبق بحلق الشعر وان آثار استخدم الضمادات من الاعشاب الطبية لا تزال ماثلة مما يشير الى وجود نية للمداواة من خلال العمليات المذكورة .
كما ويبدو جلياً استخدام الجثث آنذاك لتعليم طلبة الطب  للجثث للتدرب على التربنة من خلال وجود فتحات متعددة وعلى عمق مختلف .
وتعتبر مجموعة كورين هي المجموعة الأكثر ثراءً في العالم، وقد حولت البقايا العظمية التي تمت دراستها الى عدد من المتاحف.


صورة لجمجة اكتشفت في البيرو تظهر استخدامها لغاياتٍ تعليمية.




السبت، 21 ديسمبر 2013

امتحان نموذجي في تاريخ الطب - اختبر معلوماتك


أولاً. :ضع صح أو خطأ مقابل كل مما يلي

* استخدم أطباء بلاد الرافدين أسماءً مضحكة للنباتات الطبية للتكتم على أسمائها الحقيقية لاحتكار معرفة خواصها العلاجية.(صحيح)
* اول كتاب طبي صيني هو ( القانون الأصفر في الأمراض الباطنية).(صحيح)

* يعتبر الطبيب الصيني بيان قو هو أول من أسس كلية طبية في الصين.(خطأ)
هو مكتشف النبض

* تنص مدرسة (شاراكا) الهندية على ان غاية الطب حفظ الصحة واطالة الحياة والوقاية من المرض.(صحيح)

* مؤلف كتاب (المادة الدوائية) هو الطبيب الاغريقي ابقراط.(خطأ)
الطبيب الاغريقي ديسقوريدس

* بردية سميث هي بردية فرعونية تتعلق بالأمراض الجراحية (صحيح)

* ابتكر الفراعنة طريقة لازالة حصى المثانة دون جراحة.(صحيح)

* بيري انخ كلمة فرعونية تعني (بيوت الحياة)(صحيح)

* تخرج الطبيب العربي (الحارث بن كلدة ) من مدرسة الاسكندرية الطبية في مصر.(خطأ) 
الصواب: من مدرسة جنداسابور الفارسية

* يعتبر الطب النبوي وحي سماء وليس اجتهاد بشر ومن ثم فهو صوابٌ مطلق.(خطأ)
الطب النبوي من الاجتهادات الدنيوية للرسول

* يعتبر الخليفة معاوية بن أبي سفيان هو أول من أمر بترجمة الكتب الطبية في مدرسة الاسكندرية.(خطأ)
عمر بن عبدالعزيز هو من أمر بذلك

* بدا الطب الاغريقي ينتقل من مرحلة الاساطير الى الواقعية على يد ابقراط.(صحيح)

* يعتبر (جالينوس) .هو أول عالم في الفسيولوجيا التجريبية(صحيح)

* كانت دراسة الطب في الهند القديمة لأربع سنوات فقط وبدون امتحانات(خطأ)
لست سنوات مع امتحانات

* كتب الطبيب الصيني وانغ تاو كتاب (الأسرار الطبية للمسؤول) في 40 .مجلداً(خطأ)

تشاو يوان فانغ :)
* تعتبر ( إجناديس) أول طبيبة اغريقية تتمرد بذكاء على منع البنات من تعلم الطب.(صحيح)

* أول طبيبة عيون في تاريخ العرب والاسلام هي رفيدة بنت كعب المازنية.(خطأ)
زينب الأودية

* منع الاسلام التداوي وحث المرضى على الاستسلام لقدر الله.(خطأ)
أمر بالأخذ بالاسباب

* كان معظم أطباء معاوية بن أبي سفيان من النصارى العرب.(صحيح)

* كان دخل الطبيب (جبرائيل بن بختيشوع) ثاني أكبر دخل بعد الخليفة في زمن (هارون الرشيد) .(صحيح)

ثانياً- :أسئلة خيارات متعددة

* مكتشف الخلايا التي تفرز الانسولين في البنكرياس هو:

أ. بافلوف ب. لانغرهانس ج. فيهروف د. فيزاليوس.

* واضع علم المنعكسة العصبية هو:

أ. بافلوف ب. شوان ج. فيرهوف د. باستور.

* مكتشف الميكروسكوب هو:

أ.باستور ب. كوخ ج. انطون ليفتهوك د. أبقراط.

* أول كتاب طبي عربي غير مترجم ألفه علي بن سهل الطبري هو:

أ. القانون في الطب ب. الحاوي ج. فردوس الحكمة د. طب الحبالى والمولدين.

* أول من تحدث عن الطبيعة الوراثية لمرض الناعور (هيموفيليا ) :هو

أ. الزهراوي ب. ابن سينا ج. ابن النفيس د. الرازي.

* أول من ميز بين الحصبة والجدري كمرضين مختلفين هو:

أ. الرازي ب. ابن سينا ج.ابن زهر الاندلسي د. أبو الحسين الجزار.

* :مكتشف الدورة الدموية الصغرى هو

. ابقراط ب.جالينوس ج. ابن النفيس د. منكة الهندي.

* اول مستشفى في الاسلام كان مستشفى للمجذومين ( المصابين بالجذام ) :اسسه

أ.الرسول (عليه السلام ) ب. عمر بن الخطاب ج.الوليد بن عبدالملك د.صلاح الدين الايوبي.

* من ساهم ممن يلي في وضع (النظرية الخلوية )

أ. شوان ب.شلايدن ج. جميع من ذكر د. ليس ممن ذكر.

* من هو اول من فرض على الجنود حلق الشعر للوقاية من القمل :

أ. الصينيون ب. الفراعنة ج. الاغريق د. العرب.

* كانت الابر الصينية أول ما صنعت من:

أ. الحجارة ب. الذهب ج. الفضة د. الفولاذ.

* اول من استخدم الشق الرغامي (القصبة الهوائية ) هو:

أ.ابقراط ب. ابن سينا ج.الزهراوي د. جبرائيل بن بختيشوع

* وصلت ترجمة الكتب ذروتها في عهد :

أ. النبي (عليه السلام ) ب. الراشدين ج. الامويين د. العباسيين .

* يعتبر أب علم الامراض الحديث هو :

أ.بافلوف ب.فيرهوف ج. هينلي د. شوان .

ثالثاً : وفق بين عمودين : اربط بين رقم المؤلف ورمز الكتاب فيما يلي :

1. الرازي  (ب)            أ.القانون في الطب

2. ابن سينا (أ)           ب. الحاوي في الطب

3.الزهراوي (د)            ج.أطروحة حول أمراض الحمى

4. تشانغ تشونغ جيغ(ج)     د. التصريف لمن عجز عن التأليف.

5.المادة الدوائية  (و)        ه. ابن النفيس

6. شرح طب ابقراط (ه)     و. ديسقوريدوس

رابعاً : وفق بين عمودين ( الأمم والانجازات)

1. جراحة تجميل الأنف  (ب)          أ. العرب

2. المستشفيات المتخصصة  (أ)      ب. الهنود

3. اكتشاف النبض    (ج)              ج. الصينيون

4. الرضاعة الطبيعية    (ه)           ه. الفراعنة.

خامساً : أكمل الفراغ فيما يلي :

بدأ .............لانغرهانس........ تألقه العلمي قبل التخرج حيث قدم عام 1969 رسالة بعنوان ( المزيد عن التشريح المجهري للبنكرياس ) تحدث في عن وجود جزر من الخلايا داخل البنكرياس مختلفة عما حولها ، وتصطبغ بلونٍ مختلف ، وهي أكثر تغذية عصبية مما سواها ، ولكنه لم يستطع تحديد وظيفتها ، واعتقد خاطئاً أنها قد تكون من ...................عقد.. ......ليمفاوية...............، هذه الجزر من الخلايا سميت باسمه لاحقاً ( جزر ...........لانغرهانس....) واكتشف أنها خلايا غدية تفرز الانسولين والجلوكاجون وغيرهما.

وقبل ذلك بعام - وهو لا يزال على مقاعد الدراسة أيضاً - قدم دراسة لمسابقة مفتوحة نظمتها جامعة برلين حول ( الخلايا الجلدية الشبيهة بالخلايا العصبية) عنونها بـِ ( حول أعصاب الجلد) محللاً خلايا جلدية لم تكن معروفة الوظيفة واحتاجت مئة عام بعد .............لانغرهانس......... لاكتشاف دورها كخلايا مناعية، وسميت بخلايا .................لانغرهانس... كذلك.





السبت، 11 مايو 2013

ويليام غانونغ: عالم الفسيولوجيا الطبية وأحد أشهر مؤلفي كتبها

بقلم: د.عبدالرحمن أقرع
كلية الطب- جامعة النجاح الوطنية
ولد عالم الفسيولوجيا (ويليام فرنسيس غانونغ) في السادس من حزيران لعام 1924 ميلادية ، ولهذا العام قداسة خاصة في نفسي لكونه ذات العام الذي أبصر فيه والدي -يرحمهُ اللهُ - النور .ويحمل اسمه الأول اسم والده ( ويليام) حيث كان ويليام الأب أو ويليام الكبير من مشاهير علماء النباتات وأستاذاً في كلية سميث .
وقد تخرج ويليام الابن من كلية الطب في جامعة ( هارفارد ) ليعمل بعد ذلك طبيباً في الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية ، كما وخلال الحرب الكورية التي كان خلالها عضواً في فريق طبي أسس ما عرف في حينه (مركز الحمى النزيفية).
يعتبر غانونغ من مشاهير علماء الفسيولوجيا في القرن العشرين ، وكان من أوائل العلماء الذين بينوا الدور الهام للدماغ في ضبط الوظائف الداخلية للجسم ، واشتهر بشكلٍ خاص في مجال فسيولوجيا الأعصاب والغدد الصماء ، وعمل كالرئيس الخمسين للجمعية الفسيولوجية الأمريكية بين العامين 1977-1978.
وكان غانونغ قد رأس قسم الفسيولوجيا في جامعة كاليفورنيا منذ 1970-1987 وقام خلال تلك الفترة ببناء وقيادة فريق قوي من الباحثين العلميين .كما ورأس جمعية أبحاث الغدد الصماء ورأس تحرير مجلة الغدد الصماء العصبية ( نيورواندوكرينولوجي) وشارك في تحرير مجلات أخرى ذات علاقة بافسيولوجيا الغدد الصماء.
وعبر مسيرته البحثية الطويلة اكتشف علاقة هرمونات الكلية والغدة الكظرية في تنظيم ضغط الدم والتوازن المائي الملحي في الجسم الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام خيارات جديدة لعلاج ضغط الدم . وكان مختبره البحثي من أولى المختبرات التي بدات بدراسة دور ما تحت المهاد الدماغي في تنظيم الهرمونات النخامية المنظمة لهرمونات الغدة الكظرية.
وهو أحد الثلاثة المكتشفين لمتلازمة لون-غانونغ- ليفاين ، والتي هي عبارة عن خلل كهربي يصيب ايقاع القلب.
بيد أن أكثر ما يعرف بهِ غانونغ هو تأليفه لكتاب ( مراجعات في الفسيولوجيا الطبية) ، والذي صدرت الطبعة الأولى منه عام 1963 وبلغ عدد الطبعات حتى الآن 24 طبعة ، كما وتمت ترجمة الكتاب الى 18 لغة لا علم لدي ان كانت لغتنا الجميلة من بينها أم لا.
لقي ويليام غانونغ ربهُ تعالى في الثالث والعشرون من كانون الأول لعام 2007 ميلادية في مدينة ( ألباني) في كاليفورنيا.
 حصل ويليام غانونغ على جائزة المعلم المتميز عام 2002 ميلادية .وقبل ذلك حصل على جائزة التميز في تعليم الفسيولوجيا في الأعوام 1978 ، 1988.
وحصل في العام 1985 على ميدالية من الجمعية الألمانية للغدد الصماء ، كما وحصل على ميدالية الانجاز مدى الحياة من المجلس الأعلى لأبحاث ضغط الدم.

الجمعة، 10 مايو 2013

رصاصة بالخطأ تشق طريقاً للبحث العلمي

بقلم: د.عبدالرحمن أقرع
كلية الطب البشري- جامعة النجاح الوطنية
نابلس- فلسطين
-------------------------------------



ويليام بيومنت ( 1785-1853) هو جراح عمل في الجيش الأمريكي ، استثمر فرصة نادرة أثاء عمله ليصبح بفضلها ( ب الفسيولوجيا الهضمية ).

ولد ويليام بيومنت في بلدة لبنان (ليبانون ) في ريف (نيولندن) عام 1785 ميلادية ، ونشأ في مزرعة العائلة وتلقى تعليمه في المدارس القريبة .

وفي العام 1811 بدأ التدرب ليصبح طبيباً على طريقة ( التمهن ) مع (د. ترومان باول )، ويقصد بالتمهن أن يعمل أحدهم عند أحد أرباب الحرف والصناعات مقابل تعلّم المهنة .

وقد خدم كجراحٍ مع الجيش الأمريكي في الفترة من 1812- 1815 ،وتعتبر فترة مضنية في حياة الجراح لاسيما أنها تزامنت مع اندلاع حرب عام 1812 بين القوى الأمريكية والبريطانية ، حيث وصف فيما بعد الليالي الطويلة والمضنية في علاج جرحى الحرب.

وبدأ الممارسة الطبية الخاصة بعد انحسار شبح الحرب في بلتسبرغ بنيويورك ، ثم عاد لينضم كجراحٍ الى الجيش في العام 1819 ، ثم ترك الجيش مؤقتاً ليتزوج من (ديبورا غرين) ويعود بعدها الى موقعه .

قصة الصدفة التي دشنت علماً :

في السادس من حزيران عام 1822 أصيب مواطن كندي يعمل موظفاً في شركات الفراء الأمريكية ويدعى ( أليكسي مارتين) في حادثة اطلاق نار بالخطأ من مسافة قريبة أثناء الصيد أصابت ضلعه ومعدته ، وقد قام د. بيومنت بعلاج جراح مارتين بعد استدعائه لذلك ، وكان الجرح كما وصفه بحجم راحة اليد ، ونجحت براعته الجراحية في علاجه ، بيد أنه توقع أن يموت قريباً متأثراً بجراحه .

ولكن مارتن تعافى وبقي على قيد الحياة ، ولكن بوجود ناسور (فتحة ) في معدته لم تلتئم يوماً بالكامل، والناسور طبياً هو قناة غير طبيعية بين تجويفين جسديين أو بين تجويفٍ جسدي وخارج الجسم ، ويبدو من الوصف أن ناسور مارتن كان بين معدته وجدار بطنه.




ولعجز المصاب اليكسيس مارتن عن مواصلة العمل في شركة الفراء، ولتهديد السلطات له بالابعاد فقد ساعده د.بيومنت و تم التعاقد معه كحرفي متعدد من قبل د. بيومنت وآاواه سنيناً في بيته.

وفي العام 1825 قرر د. بيومنت الانتقال الى نياجارا واصطحب معه اليكسيس مارتن ، وعندما استقر بهما في نياجارا المقام فكر د.بيومنت وقرر أن في وجود ناسور مارتن فرصة كبيرة لاجراء تجارب على الهضم ، فبدأ باجرائها ، وقد تمت معظم التجارب بربط قطعة من الطعام بخيط وادخالها الى معدة مارتن عبر فتحة الناسور ، وكان د.بيومنت كل عدة ساعات يخرج القطعة بسحبه للخيط ويراقب التغير الذي يعتريها بفعل الهضم ، كما وأخذ عينات من العصارة الهضمية من معدة مارتن لتحليلها ، وقام باستخدام العصارة المعدية ذاتها لهضم قطع من الطعام خارج المعدة كان يضعها د.بيومنت في أوعية زجاجية ويعرضها للعصارة المعدية.

واستمرت التجارب لأكثر من شهر ترك بعدها مارتن د.بيومنت وغادر الى كندا ليركز د.بيومنت جهوده في عمله كجراحٍ للجيش.

وكان أبرز انجاز حققه بيومنت آنذاك هو التأكيد على وجود هضم كيميائي تمارسه المعدة عبر عصارتها ، وأن الهضم ليس ( ميكانيكاً ) عبر حركة المعدة فقط كما كان يعتقد .

وقد تنقل د.بيومنت في العامين 1826 – 1827 بحكم طبيعة عمله ، واعاد استخدام اليكسيس مارتن من جديد وأجرى سلسلة أخرى من التجارب عليه استمرت لستة أشهر ، ولم تقتصر على مراقبة الهضم فقط بل تأثير الحرارة والجهد البدني والمشاعر على الهضم.

وقد نشر د.بيومنت أبحاثه عام 1838 في كتاب أسماه ( العصارة المعديّة وفسيولوجيا الهضم ) وقد جاء الكتاب في جزئين الاول وصف لتجارب بيومنت على مارتن والثاني يتناول فسيولوجيا الجهاز الهضمي ،ويمكنكم الاطلاع على النسخة الالكترونية من الكتاب على الرابط التالي :

http://books.google.ps/books?id=H6F4_9joRkgC&pg=PA1&dq=gastric+juice&hl=en#v=onepage&q=gastric%20juice&f=false

وتبادل التنقل في البلاد بعد ذلك مع مريضه مع مريضه- مساعده اليكسيس مارتن ، وقد توفي د. ويليام بيومنت عام 1853 بسبب انزلاقه بالجليد.

وقد أطلق اسم د.بيومنت على العديد من المؤسسات والمدارس والمشافي بعد ذلك.

الثلاثاء، 9 أبريل 2013

يعقوب هينلي - صاحب العروة

يعقوب هينلي صاحب العروة



لا يخفى على كلِّ دارسٍ لعلم وظائف الأعضاء ما للأطباء الألمان من بصماتٍ بارزة في تجلية هذا العلم الخاص بالكلية تحديداً ، وسنركز في هذه المقالة على أحد أبرز هؤلاء وهو العالم الكبير (فريدريك غوستاف يعقوب هينلي) الذي اكتشف العروة المسماة باسمه ، والتي لها دورٌ بارز في أهم وظائف الكلية . 
( يعقوب هينلي) الذي شكَّلَ اكتشافهُ للعروة النبيبية التي حملت اسمه ( عروة هينلي) فتحاً جديداً في العلوم الطبية أزال الضبابية عن آليات عمل الكلية التي لا تقوم للكائن البشري حياة على هذا الكوكب دونها، الأمر الذي يحتم علينا أن نسلط ولو قليلاً من الضوء على حياتهِ الزاخرة بالعطاء العلمي.
وقد طفقت بحثاً في الشبكة العنكبوتية عن مزيد مراجعٍ بالانجليزية تساعدني في الكشف عن جلّ الاكتشافات التي أثرى بها العالم المذكور تراثنا الطبي الا أني لم أجد الا مقالاتٍ متفرقة هنا وهناك فاعتمدها مرجعاً لمقالي هذا. 
ولد الطبيب ، عالم التشريح ،عالم وظائف الأعضاء ،  وعالم الأمراض الألماني (يعقوب هينلي) في فيرث بمحافظة بافاريا الألمانية لوالدين يهوديين( اعتنقا المسيحية فيما بعد)  في التاسع من تموز عام 1809، وقد تلقى تعليمه الأولي في المنزل على يد معلم خاص ، وكان متجهاً في البداية لتعلم اللغات ، ويذكر أنه كان رساماً جيداً وموسيقاراً موهوباً  .
نشير أنه عاني في شبابه بشدة من اصابته بالتهاب الأنسجة المحيطة بالعظم بيد أنه شفي منه رغم تكرار نوبات المرض.
بعد اعتناق والديه المسيحية  أراد في البداية أن يدرس الكهنوت بيد أن لقاءه بمولير صدفة في حفلٍ موسيقي غيّر مسار حياته. ودرس الطب في ( هيديلبيرغ) ثم في بون حيث تخرج عام 1832 ، ليعمل مساعداً تشريحياً للعالم الألماني جوهانز مولير في برلين ،فكان من أكثر تلامذة مولير قرباً منه، ويذكر أن مشروع تخرجه كان عن أغشية بؤبؤ العين والأوعية الدموية داخل العين.
وسيرة حياة هذا الرجل تكشف عن سعة أفقه وأي أساسٍ وضع للعلوم الطبية الحديثة ، فهو أول من شق الطريق لظهور علم الخلية وأول من درس الأنسجة الحيوية بكثافة مستخدماً المجهر المكبر فكان كما يصفه المؤلفون أهم عالم أنسجة حيوية في زمنه ، وأشهر علماء التشريح وخاصة في حقل التشريح المجهري ، حيث سطع نجمه في هذا الحقل بمقدار ما سطع نجم الفاضل (أندرياس فيزاليوس) في التشريح العياني. وخلال 6 أعوام من عمله مع مولير قام بنشر عدد من الأعمال القيمة بما فيها ثلاث مصورات تشريحية لأنواع جديدة من الحيوانات ، بالاضافة لنشره عدة أبحاث علمية متعلقة بالجهاز الليمفاوي ، وتوزيع الخلايا الظهارية في الجسم ، وتركيب وتطور الشعر وتكون المخاط والصديد.
كان ( هينلي ) ناشطاً سياسياً أيضاً ، وقبل ذلك ناشطاً طلابيا ، وقد تعرض للسجن مرتين لنشاطاته السياسية ، وخسر منصبه الوظيفي وكاد يحكم بالسجن 6 سنوات ، بيد أنه تلقى اعتذاراً فيما بعد وأعيد اليه منصبه.
وفي العام 1840قبل رئاسة قسم التشريح في زيوريخ، وهناك أصدر كتابه الأهم الذي منحه شهرة عالمية ، الا وهو كتاب ( التشريح العام) والذي يعتبر أول كتاب من نوعه في علم الأنسجة ، وتعود شهرة الكتاب الى أسباب عدة من بينها اقراره لنظرية شلايدِن وشوان حديثة الظهور آنذاك ، والثاني تتبعه لآخر ما استجد من المعطيات العلمية في ذلك الحقل.
وفي زيورخ تزوج زوجته الأولى ( إليس) التي ماتت بعد سنتين من زواجهما بمرض السل بعد أن أنجبت له ولداً وبنتاً ، فتزوج بعد ذلك بسنوات زوجته الثانية التي أنجبت له 4 بنات وابناً . ، وقد تم استدعاؤه بعدذلك الى هيديلبيرغ حيث قام بتدريس التشريح وعلم وظائف الأعضاء وعلم الأمراض ، وفي هذا الأثناء انغمس في العمل في الجهاز التشريحي الكامل الذي صاغه في المجلد السادس من الطبعة الجديدة - آنذاك- من ( مقالات صموئيل توماس فون سومرينج) والتي نشرت في الفترة من 1841- 1844 ، ونشر أثناء وجوده في هيديلبرغ مصوره الحيواني حول أسماك القرش مع أستاذه مولير ، أصدر في العام 1846 كتابه الشهير ( الدليل العقلاني لعلم الأمراض) والذي افتتح به عهداً جديداً في علم الأمراض حيث اعتبر في الكتاب المذكور علمي الأمراض ووظائف الأعضاء فرعين لعلمٍ واحد ، وجلى خلاله حقيقة أن المرض يجب أن ينظر اليه من خلال العلائق الفسيولوجية كمرجعية ، وكان أول كتابٍ من نوعه يستعرض فيه المرض مقارناً اياه بالوضع الفسيولوجي قبل نشوء المرض وتأثيره على الأنسجة والأعضاء والجسم عموماً.
وفي العام 1852، رحل الى (غوتنغن) ) حيث أصدر بعد ذلك بثلاث سنوات كتابه العظيم (( تشريح أجهزة جسم الانسان) والذي تأخر صدور المجلد الأخير منه حتى عام 1873 ، وكان كتابه ذاك الكتاب الأكثر شمولا وكمالاً للتشريح في زمنه ، ولم يعد ذلك فقط الى الوصف التام والدقيق للأعضاء ، بل والى العدد الكبير للرسوم المميزة التي ألقى من خلالها الضوء على التركيب الدقيق للأوعية الدموية ، والأغشية المخاطية والعين والأظافر ، والجهاز العصبي المركزي .
،وأهم ما قدمه (هينلي) للتراث العلمي اكتشافه لعروة (هنلي) في الكلية وللنبيبات الكلوية . بيد أن اكتشافاته في علم التشريح وعلم الأمراض أوسع من أن تذكر في هذه الخلاصة ، ويكفي أن نشير الى كونهِ أحد أهم من نظّروا الى دور الكائنات الدقيقة في احداث المريض ، وهو أساسٌ بنى عليه من بعده تلميذه العالم العظيم ( روبرت كوخ) .
ولهنلي من الاكتشافات التشريحية وغيرها في حقل علم الأمراض الكثير فهو مكتشف جيوب هنلي في لحمية العين ، ونتوء هينلي  في منطقة الصدغ ،واكتشف ثنيات الأمعاء ، كما ساهم في اكتشاف أجسام هاسال-هينلي في غشاء العين ، والنسيج الضام بين الألياف العضلية للقلب ، وأمبولة البوق الرحمي ( أمبولة هينلي) ، والطبقة الخارجية من طبقات جذر الشعر ( طبقة هينلي) ، ورباط هنلي والذي هو وتر للعضلة البطنية العرضية ، وغيرها.
والى جانب نشاطه العلمي كان شاعراً رقيقاً وموسيقاراً جيداً وقد رحب عدة مرات باقامة كونسيرت في منزله وله دائرة واسعة من الاصدقاء ومحبوباً بين طلابه.

كان هينلي عضواً ، او عضواً فخرياً او عضواً اجنبياً في عدة جمعيات علمية ،وقد اختير عام 1870 عضواً أجنبياً في جمعية العلوم الملكية السويدية ، وقد توفي عام 1885 بالسرطان .

الجمعة، 5 أبريل 2013

10 سنوات على رحيل العالم المعلم الملهم- رحمه الله-

عشر سنوات على رحيل غايتون
بقلم: د. عبدالرحمن أقرع
المحاضر في علم وظائف الأعضاء
كلية الطب- جامعة النجاح الوطنية
نابلس- فلسطين

قبل عشر سنوات من الآن ، في الثالث من نيسان عام 2003 غيب الموت عالم الفسيولوجيا الشهير آرثر غايتون في حادث سيرٍ مروع أودى بحياتهِ شخصياً وأصيبت زوجته بجراحٍ خطيرة لتلحق بهِ بعد أسبوعٍ من الحادث ، لتخسر الانسانية عبقرياً في حقل علم وظائف الأعضاء والطب عموماً ، أو كما يصفه زميله (جون هول) بالقائد بين القادة ، وبالأستاذ المعلم ، وبالنموذج الملهم للبشر في سائر أرجاء الأرض.
ولد آرثر غايتون في أسرةٍ ذات باعٍ طويلٍ في العلم ن فقد كان والده (ويليام غايتون) طبيباً مشهوراً متخصصاً في الأنف والأذن والحنجرة ، وعميداً لكلية الطب في جامعة ميسيسيبي ، أما والدته ( رُث سمولوود غايتون) فقد كانت مدرسة في مجالي الرياضيات والفيزياء. ويبدو أن ابنهما آرثر الذي غدا أشهر علماء الفسيولوجيا فيما بعد قد ورث عن كلا والديه جوانباً من علمهما ليدمجها مضيفاً اليها لمسات عبقريته الذاتية، ففي سنين صباه كان يستمتع بمراقبة عمل والده في عيادة ( غايتون) ، ويتسلى بلعب الشطرنج وصناعة العديد من الاجهزة الكهربائية والميكانيكية.
وقد ظهر نبوغه مبكراً وتخرج أولاً على دفعته من كلية الطب في جامعة ( ميسيسيبي) ، وتميز في جامعة (هارفارد) ثم بدأ تدريبه الجراحي في مشفى (ماساشوسيت) العام .
وقد انقطع عن تدريبه التخصصي مرتين: أولاهما أثناء خدمته في البحرية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، والأخرى عقب اصابته بفيروس شلل الأطفال عام 1946 في السنة الأخيرة من برنامجه التخصصي فيصاب بالشلل في ساقه اليمنى وذراعه الأيسر وكتفيه، ليقضي 9 شهورٍ بعدها في الحمامات المعدنية في ولاية (جورجيا) دافعاً دماغه العبقري لاختراع أول كرسي متحرك مزود بمحرك يتم تشغيله بمقبض، وروافع خاصة لرفع المرضى ، وأقواس خاصة للسيقان المشلولة وأدوات أخرى لمساعدة المعاقين ، وقد نال على اختراعاته تلك تكريماً رئاسياً آنذاك.
وعاد بعد ذلك الى أوكسفورد ليعيد الالتحاق بجامعة ( ميسيسيبي) ويكرس حياته للتدريس والبحث العلمي ويصبح فيما بعد رئيساً لقسم ( علم وظائف الأعضاء) فيها عام 1948 .
وفي العام 1951 أدرج اسمه ضمن أبرز عشر رجال في الأمة الأمريكية، وفي العام 1955 نقلت جامعة ميسيسيبي كلية الطب فيها الى جاكسون ، ليؤسس ( غايتون) أول مركزٍ معتبرٍ على مستوى العالم للأبحاث المتعلقة بالقلب والجهاز الدوراني.
غايتون عالماً :
لقد ترك (غايتون) وراءه تراثاً علمياً باذخاً يربو على الـ 600 ورقة علمية ، و40 كتاباً ، ويعود الفضل في فهمنا لعمل القلب والجهاز الدوراني الى ابحاثه واكتشافاته في مجال ضبط وظائف القلب ، ولا يمكننا فهمها دون الاستعانة بما منحنا اياه من فهمٍ للنتاج القلبي والرجوع الوريدي والضغط السالب للسائل بين الخلوي ، ومن ثم صار فهمنا لأمراض كارتفاع ضغط الدم وهبوط القلب والاستسقاء أكثر رسوخا.
وكان ( غايتون) ذا عقلٍ تحليليٍ فريد أهله للمساهمة في الكشف عن آليات تنظيم وضبط عمل القلب عبر تطبيق المبادئ الهندسية وتحليل النظم ، واستخدام المنهاج الكمي ، كما كان ذا قدرة خارقة على جمع النتف من المعلومات من نتائج أبحاثه وأبحاث الآخرين لضعها في صيغة متكاملة ضمن اطار مفاهيميٍ كمي.
وقد سبق ( غايتون) اختراع الحواسيب الرقمية حيث قام بانشاء حواسيب تناظرية فأصبح رائداً في تحليل النظم ذات النطاقات الواسعة لنمذجة آليات عمل القلب والأوعية الدموية، وبعد اختراع الحواسيب الرقمية امتدت نماذجه المتعلقة بالجهاز الدوراني لتشمل الجهاز الكلوي ، والجهاز العصبي الذاتي والغدد الصماء ، وغيرها.
وهو من قام بتزويدنا بأول نظام تحليلي شامل لضبط وتنظيم ضغط الدم، ومن ثم ستظل انجازات هذا الرجل أساساً للابحاث المتعلقة بعمل الجهاز الدوراني .
وقد حصل د. غايتون على أكثر من 80 لقب وجائزة من مؤسسات علمية ومدنية وجامعات ومراكز بحثية في أمريكا والعالم ، منها عدد خصص للبارزين في الابحاث المتعلقة بالقلب والاوعية الدموية مثل جائزة (سيبا) التي يمنحها (مجلس أبحاث ضغط الدم المرتفع) ، وجائزة ( وليام هارفي) من الجمعية الأمريكية لدراسات مرض ضغط الدم المرتفع ، وجائزة الانجاز البحثي الممنوحة من جمعية القلب الأمريكية.
كما حصل على جوائز (ميرك) و ( شارب) و ( دوهم) التي تمنحها الجمعية الدولية لضغط الدم.
وحصل كذلك على جائزة (ويجرز) التي تصدرها الجمعية الأمريكية لعلماء الفسيولوجيا.
وقد دعي (غايتون) عام 1978 من قبل جمعية الأطباء الملكيين في لندن لالقاء محاضرة بمناسبة الذكرى الـ 400 لميلادمكتشف الدورة الدموية ( ويليام هارفي).
غايتون معلماً:
رغم المساهمات الرائدة والاسطورية لغايتون في البحث العلمي ، الا أن مساهمته كمعلم ومدرس قد تكون فاقت مساهمته البحثية عظمةً ، اذ يكفي أن نعلم أنه وزوجته (رُث) قد أنجبا عشرة أبناء تخرجوا جميعاً من كليات الطب ليصبحوا أطباءً بارزين ، فقد تخرج 8 من أبنائه من (هارفارد) ، وابنٌ تاسع من جامعة (ديوك) أما ابنه العاشر فتخرج من جامعة ميامي .
ولم يكن النجاح والتميز للأبناء العشر صدفة ، بل ذلك عائد الى فلسفة غايتون التربوية القائمة على ( التعليم بالعمل) فقد اندمج أولاده جميعاً في تصميم وتنفيذ كل ما يتعلق ببيتهم من بناء وأنظمة تدفئة وحمامات سباحة وملاعب تنس وأجهزة الكترونية ، مما دفع برنامجاً متلفزاً كـ ( صباح الخير أمريكا) و ( 20/20) الى تخصيص حلقات للحديث عن بيت غايتون الذي تشاطر فيه وزوجته واولاده متعة العمل ضمن فريق وهوس التعلم والاستكشاف ، وادراك قيمة العمل والتعاون ، وتشاطر الحب العميق الذي يكنه كل منهم للآخر.
2- غايتون مدرساً :


كان (غايتون) أستاذا معلماً درّسَ كلّ طالبٍ في كلية الطب في جامعة ميسيسيبي لمدةٍ تزيد على نصف قرن ، ورغم انه كان دائم الانشغال بمسؤولياته وكتاباته وأبحاثه ومهام التدريس الا أن لم يكن ينشغل قط عن الحديث عن فكرة بحث أو عن تجربة جديدة أو عن الحديث مع طالب يعاني من بعض الصعوبة في الدراسة. والطريف في الأمر أنه كان يرفض أي دعوة لالقاء محاضرة مرموقة تورثه مزيداً من المجد اذا تعارضت مع برنامج محاضراته لطلبته.


وقد امتدت مساهماته التدريسية لتشمل الطلبة الخريجين من طلبة الدراسات العليا وما بعد الدكتوراة ، فقد درب 150 عالماً أصبح 29 منهم رؤساءً في دوائرهم ، كما اصبح 6 منهم رؤساء لجمعية الفسيولوجيا الامريكية.
وكان يمنح طلبته الثقة بقدراتهم ، ويجسد مبدأه القائل : ( ان الناس الناجحين في عالم الابحاث هم ذاتيو التعليم ذلك انهم يعلمون انفسهم أكثر مما يعلمهم الآخرون ) .
ولم يكن أحد ممن دربوا قادة علم الفسيولوجيا بخصوبة ( آرثر غايتون) ، لذا فلم يكن غريبا أن يحصل على جائزة التوجيه الأكاديمي ( يوجين برونوولد) من الجمعية الأمريكية للقلب في العام 2001 ، أي قبل عامين من وفاته.
يقول زميله وتلميذه ( جون هول) : كنت كغيري ممن تدربوا على يدي غايتون قد بدأت صلتي به عبر كتابه ( كتاب في الفسيولوجيا الطبية) الشهير ،والذي هو تحفة تحتوي على المفاهيم المفتاحية التي تعرض بطريقة واضحة وممتعة تجعل من دراسة الفسيولوجيا متعةً مسلية.
وكان قد وضع كتابه ليدرس طلبته لا ليثير انطباع زملائه ، لذا جعلت شعبية الكتاب بين الطلبة أكثر كتب الفسيولوجيا انتشاراً في التاريخ ، هذا الانجاز وحده كفيلٌ باظهار عظمةِ ارثه.


لقد ترجم كتابه في الفسيولوجيا الطبية الى 15 لغة ، وجليٌ أنه بذل في كتابه لتدريس الفسيولوجيا أكثر من أي فردٍ في التاريخ دون مبالغة ، فهو ليس كالكتب المقررة الأخرى التي تقرأ على غلافها أسماء 10 – 20 مؤلفاً ، فقد ظل يكتب الكتاب وحيداً حتى الطبعة الثامنة على امتداد 40 عاماً .
يقول جون هول( عندما دعاني للمساعدة في اصدار الطبعتين التاسعة والعاشرة شعرت بشرفٍ وبهجة لأن كتابه فريد في تاريخ المنشورات الطبية .
ونظراً لمساهماته العديدة في التعليم الطبي فقد تلقى عام 1996 جائزة ( ابراهام فليكسنير ) جمعية الكليات الطبية الامريكية . وقد شرف كل عام بمنج جائزة غايتون للتعليم من قبل الجمعية الفسيولوجية الأمريكية.
غايتون ملهماً :
لقد تجاوزت انجازات غايتون العلم والطب والتعليم الى الحياة نفسها حيث كان ملهماً للكثيرين من البشر ، اذ يقول تلميذه وزميله (جون هول) : ( لم يعلمنا أحد مثل غايتون ، فهو لم يعلمنا الفسيولوجيا فقط، بل علمنا الحياة ، ليس عبر كلامه بل عبر الحماسة الصامتة والتحفيز للوصول الى أعلى مستوى ممكن.
ويواصل هول القول : ( لقد امتلك قدرةً هائلة على الالهام والتأثير عبر روحهِ التي لا تقهر ، فلم يفكر أحدٌ عمل مع غايتون يوماً أنه يعمل مع شخص معاق رغم أن شلل الأطفال قد أقعده بشكلٍ بالغ ، لأن عقله الألمعي وتفانيه للعلم الذي لا يعرف الكلل للعلم والتعليم والأسرة ، ناهيك عن روحه المتحمسة قد جذبت اليه الطلبة والمتدربين وزملاء المهنة ورجال الأعمال والساسة وكل من تعرف اليه يوماً).
ويتابع هول: ( لقد كان الفضول يعتري كل من عرف الرجل حول كيفية اتمامه لكل الانجازات العظيمة في حياته العلمية والعملية والخاصة رغم الاعاقة) . 
ويصف هول ردة فعل الجمهور في قاعات المحاضرات عندما كان ينهض بصعوبة عن كرسيه المتحرك ليلقي محاضرة فينسى الجمهور اعاقته مأسورين بمفاهيمه الألمعية أثناء القاء محاضرته.
كان كافة طلبته والمتدربين على يديه يشيرون اليه بالرئيس أو بالدكتور غايتون مهما طالت عشرتهم له، حتى هول نفسه الذي شاركه في اصدار الطبعتين الأخيرتين من كتابه يقول: كان يطلب مني أن أناديه بآرثر بدلاً من د. غايتون ، ولكن ذلك كان من طلباته القليلة التي لم أطعه فيها ، فلم أكن أرى لي حقاً في ذلك رغم أنه نفسه هو والدنا الذي علمنا الفسيولوجيا ودروساً بالغة الأهمية في الحياة كذلك.
والطريف في الأمر أن غايتون وأفراد أسرته الذين شيدوا بيتهم بأنفسهم لم يكونوا يستدعون أحداً لاصلاح عطبٍ أو خلل في بيتهم ومرافقه بل كان يعمد (غايتون بنفسه لاصلاحه.


الاثنين، 14 يناير 2013

ميترودورا : أول مؤلفة طبية امرأة في التاريخ

ميترودورا : أول مؤلفة طبية امرأة في التاريخ 
د.عبدالرحمن أقرع
محاضر في تاريخ الطب- جامعة النجاح الوطنية
اعتمد الأوروبيون في العصور الوسطى وبداية عصر النهضة على ما توفر بين أيديهم من مراجع طبية اغريقية ورومانية ، ومن أبرز هذه المراجع كان كتاب (حول أمراض النساء وعلاجها ) للطبيبة الاغريقية (ميترودورا) والتي لم يعرف من اسمها غير هذا الاسم الأول (ميترودورا) والتي يعتبرها المؤرخون أول مؤلفة طبية أنثى في العالم.
ورغم وجود بعض النساء اللواتي مارسن الطب في الامبراطوريتين الاغريقية والرومانية ، خاصة بعد ظهور الطبيبة ( إغناديس) التي تعتبر أول طبيبة انتزعت حق النساء في ممارسة الطب في حضارة الاغريق قبل الميلاد، الا أن وجود طبيبة تؤلف كتباً طبية لم يعرف قبل (ميترودورا) .
عاشت الطبيبة الإغريقية (ميترودورا) في الفترة بين 200-400 ميلادية ، ولم يعرف لولادتها أو وفاتها تأريخ دقيق ، وشاع اسمها كثيراً بين الأطباء والعلماء فيما بعد لكثرة اشارتهم الى كتابها الأشهر كمرجعٍ طبي هام ، ألا وهو كتابها المذكور آنفاً ( حول أمراض النساء وعلاجها) والذي تناولت فيه حقولاً طبية عدة أبرزها أمراض النساء رغم أنها لم تتطرق فيه الى طب الحمل والولادة بقدر ما ركزت على الأمراض التي تصيب الجهاز التناسلي الأنثوي.
وقد أشار الأطباء الاغريق والرومان القدامى الى كتابها كمرجعٍ طبيٍ هام في كتاباتهم الطبية ، كما اعتمده أطباء وباحثو العصور الوسطى مرجعاً لدراساتهم الطبي ، وقد ترجم ونشر في عدة لغات ، ويقع الكتاب في 63 جزءاً اعتمدت ميترودورا نظام التصنيف الهجائي للامراض فيه ليسهل استخدامه كمرجع .
ويظهر جلياً في الكتاب تأثرها بأبوقراط ، وتظهر نصوصه الماماً واسعا لمؤلفته في حقل الفسيولوجيا وعلم الأمراض كذلك. وتوجد أقدم مخطوطة من الكتاب المذكور في مدينة فلورنسا في ايطاليا.
ويظهر الكتاب المذكور خبرة سريرية عالية للمؤلفة الطبيبة ، اذ يظهر أنها كانت تمارس الفحص اليدوي والفحص باستخدام الـمنظار الفرجي ، وقامت بتصنيف الأفرازات المهبلية ، ولها نظرية في الربط بين الديدان الشرجية لدى الاناث والتسبب ببعض الافرازات المهبلية الأنثوية ، ويقول بعض المؤرخين الطبيين أن في كتاباتها من الروابط الطبية ما لا يوجد في غيره.
معنى اسم ميترودورا في اللغة الاغريقية مشتق من (ميتر) وتعني الأم ، و(دورون) وتعني الهدية أو الهبة.

الأحد، 13 يناير 2013

فريدريك غرانت بانتنغ : الأحدث سناً في الحائزين على جائزة نوبل في الطب

فريدريك غرانت بانتنغ : الأحدث سناً في الحائزين على جائزة نوبل في الطب 
ترجمة واعداد : د.عبدالرحمن أقرع


يشير الموقع الرسمي لجائزة نوبل على الشبكة العنكبوتية أن متوسط عمر الحائزين على جائزة نوبل منذ نشأتها عام 1901 وحتى عام2011 م هو 57 عاماً ، وأن أصغر الحائزين عليها سناً هو الطبيب الكندي السير فريدريك غرانت بانتنغ ، والذي حاز على الجائزة الدولية في الثانية والثلاثين من عمره. وقد حصل على الجائزة في العام 1923 مناصفة مع جون ماكليود بصفتهما المكتشفين الرئيسيين للانسولين.
حياة هذا الطبيب حافلة بالأحداث كما بالانجازات ، وهو بالاضافة الى كونه طبيباً وعالماً طبياً فهو أيضاً مشهورٌ كرسام ، ولهذا كله حصل بعد سنين عدة من وفاته على لقب رابع أعظم كندي.
ولد السير بانتنغ عام 1891 م في أليستون في أونتاريو بكندا  ، وكان الأصغر بين خمسة أخوة ، وتلقى علومه في ألينستون قبل أن يتقدم بطلب للالتحاق بالجيش ، بيد أن طلبه رفضَ آنذاك نظراً لمعاناته من ضعف النظر فالتحق بالجامعة لدراسة علم اللاهوت ، ثم تحول لدراسة الطب وتخرج من الكلية الطبية في جامعة تورنتو عام 1916 م.
وفي الحرب العالمية الأولى تم ادراجه كطبيب في الجمعية الطبية للجيش الكندي حيث كان بحاجة ماسة لأطباء ، وجرح أثناء الخدمة في معركة ( كامباري ) عام 1918 ، وظل رغم جراحه يسعف الجراحة لمدة 16 ساعة قبل أن يطلب منه طبيب آخر التوقف ، وكوفئ بوسام الصليب العسكري من قبل الجيش تقديراً لبطولته.
وبعد الحرب أكمل بانتنغ تخصصه الطبي في جراحة العظام والمفاصل ، وقام كذلك بالتدريس بشكل جزئي في جامعة بلندن في أونتاريو ، وحصل على شهادة التخصص الطبي مع الميدالية الذهبية عام 1922م.
بدأ اهتمانم بانتنغ بمرض السكر بعد قراءة مقال عن البنكرياس ، وقد كانت عدة أعمال لباحثين تشير الى أن مرض السكر ينجم عن نقص لهرمون تفرزه جزر لانجرهانس الغدية في البنكرياس يؤدي نقصه الى ارتفاع سكر الدم ، بيد أن عزل الانسولين كان من الصعوبة بمكان لكونه هرموناً بروتينياً يتحطم بفعل الانزيمات الهاضمة للبنكرياس نفسه .
ثم اطلع بانتنغ على مقال علمي لموزيس بارون يتحدث فيه عن تجربته في اغلاق قناة البنكرياس التي تصب في الأمعاء الدقيقة فأثر ذلك المقال على بانتنغ وألهمه الى الاستنتاج أن اغلاق قناة البنكرياس ستؤدي الى تلف الخلايا الغدية غير الصماء التي تفرز الانزيم الهاضم (تريبسين)  مما يؤدي لاحقاً الى تحطيم الخلايا الخاصة بانتاج التريبسين دون تأثر الانسولين بذلك وبعد موتها يمكن عزل الانسولين بسهولة.

وقد شرح بانتنغ طريقته في عزل الانسولين لعالم الفيسيولوجيا في جامعة تورنتو ( جون ماكليود) الذي اقتنع بالفكرة وقدم تسهيلات بحثية مخبرية لبانتنغ وكلف أحد الطلبة (د. تشارلز بيست ) لمساعدة بانتنغ ، فبدأ بانتنغ وبيست في العمل حتى تمكنا من عزل الانسولين ، فحاز بانتنغ وماكليود على جائزة نوبل في الطب والفسيولوجيا عام 1923 م. 
ولم ينسَ بانتنغ مساعده في البحث الطالب تشارلز بيست فتقاسم معه حصته من جائزة نوبل.
ولم تقتصر جهود بانتنغ العلمية على عزل الانسولين ، بل شملت أبحاثه مجالات السرطان والسحار السيليسي (سيليكوزيز) ، وميكانيكية الغرق ، كما أبدى اهتماماً ملحوظاُ بفسيولوجيا الطيارين في الجو وساهم أثناء الحرب العالمية الثانية مع سلاح الجو الكندي في البحث العلمي في هذا المجال وتراس وحدة البحث التابعة لسلاح الجو لتفسير الظواهر الفسيولوجية والسريرية الخاصة بالطيارين المحلقين على علو كبير.
وقد توفي السير بانتنغ عام 1941 أثناء سفره الى انجلترا لتقديم بحثٍ أحده أحد زملائه.
وبالاضافة الى مجده العلمي فقد أبدى اهتماماً بالرسم منذ عام 1921 ، وكان صديقاً لمجموعة السبعة فنانين الذين تشاطروا العشق لرسم الطبيعة الوعرة لكندا ، وقام برحلات للرسم في عدة بقاع داخل كندا وخارجها ورسم لوحات زيتية وأخرى بالحبر ، وتعود ملكية لوحاته الآن الى متحف الفن الوطني في كندا.